تعذيب المكذبين إلى يوم القيامة، فذلك التأخير هو الحسنة في حقهم، فهؤلاء طلبوا منه عليه السلام نزول تلك العقوبة، ولم يرضوا بما هو حسنة في حقهم.

واعلم: أن (?) استعجالهم بالسيئة قبل الحسنة هو استعجالهم بالكفر والمعاصي قبل الإيمان والطاعات، فإن منشأ كل سعادة ورحمة هو الإيمان الكامل والعمل الصالح، ومنشأ كل شقاوة وعذاب هو الكفر والشرك والعمل الفاسد.

وجملة قوله: {وَقَدْ خَلَتْ} حال من واو {يَسْتَعْجِلُونَكَ}؛ أي: يستعجلونك بالعقوبة حالة كونهم قد خلت ومضت {مِنْ قَبْلِهِمُ}؛ أي: من قبل هؤلاء المشركين {الْمَثُلَاتُ}؛ أي: عقوبات أمثالهم من المكذبين لرسلهم كالخسف والمسخ والرجفة، فما لهم لم يعتبروا بها، فلا يستهزئوا، جمع مَثُلَه بفتح الثاء وضمها؛ وهي العقوبة لأنها مثل المعاقب عليه، وهو الجريمة. وفي "التبيان": {وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ}؛ أي: العقوبات المهلكات يماثل بعضها بعضًا.

والمعنى: أي ويستعجلونك بذلك مستهزئين بإنذارك منكرين وقوع ما تنذرهم به، والحال أنه قد مضت العقوبات الفاضحة النازلة على أمثالهم من المكذبين المستهزئين، فمن أمة مسخت قردة، وأخرى أهلكت بالرجفة، وثالثة أهلكت بالخسف إلى نحو أولئك. وقرأ الجمهور (?): {الْمَثُلَاتُ} - بفتح الميم وضم الثاء - ومجاهد والأعمش بفتحهما. وقرأ عيسى بن عمير في رواية الأعمش وأبو بكر بضمهما، وابن وثاب بضم الميم وسكون الثاء، وابن مصرف بفتح الميم وسكون الثاء، وكل هذه القراءة عدا قراءة الجمهور شاذ.

{وَإِنَّ رَبَّكَ} يا محمَّد {لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ}؛ أي: لذو إمهال لهم وتأخير للعذاب عنهم حالة كونهم {عَلَى ظُلْمِهِمْ}؛ أي: ظالمين أنفسهم بالمعاصي، أو المعنى: وإن ربك لذو عفو وصفح عن ذنوب من تاب من عباده، فتارك فضيحته بها في يوم القيامة، ولولا حلمه وعفوه لعاجلهم بالعقوبة حين اكتسابها كما قال:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015