كَيْفَ الرَّشَادُ وَقَدْ خُلِّفْتُ فِيْ نَفَرٍ ... لَهُمْ عَنِ الرُّشْدِ أَغْلَالٌ وَأقْيَادُ
{وَأُولَئِكَ} المقيدون بالأغلال في أعناقهم هم {أَصْحَابُ النَّارِ}؛ أي: سكان النار دار الذل والهوان ملازموها {هُمْ فِيهَا}؛ أي: في النار {خَالِدُونَ}؛ أي: ماكثون فيها مكثًا مؤبدًا لا يتحولون عنها ولا يبرحون بها كفاء ما سولت لهم أنفسهم من سوء الأعمال، وما اجترحوا من الموبقات والشرور والآثام. وتوسيط (?) ضمير الفصل وتقديم {فِيهَا} يفيد الحصر؛ أي: هم الموصوفون بالخلود في النار لا غيرهم، وإن خلودهم إنما هو في النار لا في غيرها، فثبت أن أهل الكبائر لا يخلدون في النار.
6 - وبعد أن ذكر تكذيبهم للرسول - صلى الله عليه وسلم - في إنكار عذاب يوم القيامة .. ذكر جحودهم لعذاب الدنيا الذي أوعدهم به، وكانوا كلما هددهم بالعذاب قالوا له: جئنا به وائتنا وطلبوا منه إنزاله، وهذا ما أشار إليه بقوله: {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ} الاستعجال (?): طلب تعجيل الأمر قبل مجيء وقته؛ أي: يطلب مشركو مكة منك يا محمَّد العجلة {بِالسَّيِّئَةِ} والعقوبة التي هددتهم بها إن لم يؤمنوا، وسميت العقوبة سيئة؛ لأنها تسوؤهم {قَبْلَ الْحَسَنَةِ} متعلق بالاستعجال؛ أي: قبل العافية والإحسان إليهم بالإمهال؛ أي: يطلبون منك الإتيان بالعقوبة المهلكة لهم قبل انقضاء الزمان المقدر لعافيتهم وسلامتهم.
وذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يهدد مشركي مكة تارة بعذاب يوم القيامة، وتارة بعذاب الدنيا، وكلما هددهم بعذاب القيامة أنكروا القيامة والبعث، وكلما هددهم بعذاب الدنيا استعجلوه، وقالوا: متى تجيئنا به، فيطلبون العقوبة والعذاب والشر بدل العافية والرحمة والخير استهزاء منهم، وإظهارًا أن الذي يقوله لا أصل له، ولذا قالوا: {اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} والله تعالى صرف عن هذه الأمة عقوبة الاستئصال، وأخر