شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ}، وقد روي: تفكروا في آلاء الله ولا تتفكروا في الله.
ومعنى {إِنَّ فِي ذَلِكَ}؛ أي: إن (?) في كل من الأرض والجبال والأنهار والثمار والملوين (?) {لَآيَاتٍ} تدل على الصانع وقدرته وحكمته وتدبيره. أما في الأرض فمن حيث هي ممدودة مدحوة كالبساط لما فوقها، وفيها المسالك والفجاج للماشين في مناكبها، وغير ذلك مما فيها من العيون والمعادن والدواب مثلًا. وأما الجبال فمن جهة رسوها وعلوها، وصلابتها وثقلها، وقد أرسيت الأرض بها كما يرسى البيت بالأوتاد. وأما الأنهار فحصولها في بعض جوانب الجبال دون بعض لا بد أن يستند إلى الفاعل المختار الحكيم. وأما الثمار فالحبة إذا وقعت في الأرض وأثرت فيها نداوة الأرض .. ربت وكبرت، وبسبب ذلك ينشق أعلاها وأسفلها، فتخرج من الشق الأعلى الشجرة الصاعدة، وتخرج من الشق الأسفل العروق الغائصة في أسفل الأرض. وهذا من العجائب؛ لأن طبيعة تلك الحبة واحدة، وتأثير الطبائع والأفلاك والكواكب فيها واحد، ثم إنه خرج من أحد جانبي تلك الحبة جرمٌ صاعد إلى الهواء ومن الجانب الآخر منها جرم غائص في الأرض، ومن المحال أن يتولد من طبيعة واحدة طبيعتان متضادتان، فعلمنا أن ذلك إنما كان بسبب تدبير المدبر الحكيم، ثم إن الشجرة النابتة من تلك الحبة بعضها يكون خشبًا، وبعضها يكون نورة، وبعضها يكون ثمرة، ثم إن تلك الثمرة أيضًا يحصل فيها أجسام مختلفة الطبائع. فالجوز له أربعة أنواع من القشور: قشرة الأعلى، وتحته القشرة الخشبية، وتحته القشرة المحيطة باللب، وتحت تلك القشرة قشرة أخرى في غاية الرقة تمتاز عما فوقها حال كون الجوز واللوز رطبًا، وأيضًا قد يحصل في الثمرة الواحدة الطبائع المختلفة من الحبة الواحدة مع تساوي تأثيرات الطبائع، وتأثيرات الأنجم والأفلاك لا بد وأن يكون لأجل تدبير الحكيم القدير. وأما الملوان فلا يخفى ما في اختلافهما ووجودهما من الآية؛ أي: الدلالة الواضحة {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} فيستدلون، والتفكر: تصرف القلب في طلب معاني الأشياء، وكما أن في العالم الكبير أرضًا وجبالًا ومعادن