وبحارًا وأنهارًا، وجداول وسواقي، فكذلك في الإنسان الذي هو العالم الصغير مثله، فجسده كالأرض، وعظامه كالجبال، ومخه كالمعادن، وجوفه كالبحر، وأمعاؤه كالأنهار، وعروقه كالجداول، وشحمه كالطين، وشعره كالنبات، ومنبت الشعر كالتربة الطيبة، ورأسه كالعمران، وظهره كالمفاوز، ووحشته كالخراب، وتنفسه كالرياح، وكلامه كالرعد، وأصواته كالصواعق، وبكاؤه كالمطر، وسروره كضوء النهار، وحزنه كظلمة الليل، ونومه كالموت، ويقظته كالحياة، وولادته كبدء سفره، وأيام صباه كالربيع، وشبابه كالصيف، وكهولته كالخريف، وشيخوخته كالشتاء، وموته كانقضاء مدة سفره، والسنون من عمره كالبلدان، والشهور كالمنازل، والأسابيع كالفراسخ، وأيامه كالأميال، وأنفاسه كالخطى، فكلما تنفس نفسًا كان يخطو خطوةً إلى أجله، فلابد من التفكر في هذه الأمور.
4 - والسادس منها: ما ذكره بقوله: {وَفِي الْأَرْضِ} خبر مقدم لقوله. {قِطَعٌ} جمع قطعة، وهي الجزء؛ أي: بقاع مختلفة في الأوصاف {مُتَجَاوِرَاتٌ}؛ أي (?): متقاربات متلاصقات بعضها طيبة تنبت شيئًا، وبعضها سبخة لا تنبت، وبعضها قليلة الريع، وبعضها صلبة، وبعضها كثيرة الريع، وبعضها رخوة، وبعضها يصلح للزرع دون الشجر، وبعضها بالعكس، ولولا تخصيص قادرٍ حكيمٍ موقعٍ لأفعاله على وجهٍ دون وجه .. لم يكن كذلك لاشتراك تلك القطع وانتظامها في جنس الأرضية. والمعنى؛ أي (?): وفي الأرض بقاع متجاورات متدانيات يقرب بعضها من بعض وتختلف بالتفاضل مع من تجاورها، فمن سبخة لا تنبت شيئًا إلى أرض جيدة التربة تجاورها وتنبت أفضل الثمرات ومختلف النبات، ومن صالحه للزرع دون الشجر إلى أخرى مجاورة لها تصلح للشجر دون الزرع إلى متدانية لهما تصلح لجميع ذلك. ومنها الرخوة التي لا تكاد تتماسك، وهي تجاور الصلبة التي لا تفتتها المعاول وأدوات التدمير، وكلها من صنع الله وعظيم تدبيره في خلقه.
قيل: وفي الكلام حذف (?)؛ أي: قطع متجاورات وغير متجاورات كما في