لقي إبنا راحيل البلاء إلا منكم، فأما يوسف فقد علمتم ما فعلتم به، وأما أنا فسرقتموني؛ أي: نسبتموني إلى السرقة قالوا: فمن جعل الإناء في متاعك؟ أليس قد خرج من رحلك؟ قال: إن كنتم سرقتم بضاعتكم الأولى وجعلتموها في رحالكم، فكذلك أنا سرقت الصاع وجعلته في رحلي، فقال روبيل: لقد صدق، وأراد بنيامين أن يخبرهم بخبر يوسف، فذكر وصيته له فسكت.
{كَذَلِكَ}؛ أي: مثل ذلك الكيد العجيب والتدبير الخفي، وهو عبارة عن إرشاد الإخوة إلى الإفتاء المذكور بإجرائه على ألسنتهم، وبحملهم عليه بواسطة المستفتين من حيث لم يحتسبوا {كِدْنَا لِيُوسُفَ}؛ أي: (?) صنعنا له ودبرنا لأجل تحصيل غرضه من المقدمات التي رتبها من دس الصواع وما يتلوه. والكيد في الأصل عبارة عن المكر والخديعة، وهو أن توهم غيرك خلاف ما تخفيه.
أي: مثل (?) ذلك الحكم الذي ذكره إخوة يوسف من استرقاق السارق حكمنا به ليوسف، والمعنى: كما ألهمنا إخوة يوسف أن احكموا أن جزاء السارق أن يسترق .. كذلك ألهمنا يوسف ما فعله من دس الصواع في رحل أخيه ليضمه إليه على ما حكم به إخوته. والكيد (?) مبدؤه السعي في الحيلة والخديعة، ونهايته إلقاء المخدوع من حيث لا يشعر في أمر مكروه لا سبيل إلى دفعه، وهو محمول في حقه سبحانه على النهاية لا على البداية. وفي الآية دليل على جواز التوصل إلى الأغراض الصحيحة بما صورته صورة الحيلة والمكيدة إذا لم يخالف شرعًا ثابتًا.
وقوله: {مَا كَانَ} يوسف {لِيَأْخُذَ أَخَاهُ} بنيامين {فِي دِينِ الْمَلِكِ}؛ أي: في دين ملك مصر وحكمه قضائه وشريعته التي كان عليها استئناف تعليل لما صنعه الله تعالى من الكيد ليوسف، أو تفسير له كأنه قيل: لماذا فعل يوسف ذلك؟ فقيل: لأنه لم يكن ليأخذ أخاه بما فعل في دين ملك مصر في أمر