بسبب ما كانوا يعملون من الجفاء وسوء المعاملة بحسدهم لي ولك، وأمره أن لا يخبرهم، بل يخفي الحال عنهم. وقال بنيامين: أنا لا أفارقك أبدًا. قال يوسف عليه السلام: قد علمت اغتمام والدك بي، فإذا حبستك عندي ازداد غمه، ولا يمكنني هذا إلا بعد أن أشهرك بأمر فظيع، وأنسبك إلى ما لا يحمد. قال: لا أبالي فافعل ما بدا لك، فإني لا أفارقك. قال يوسف عليه السلام: فإني أدس صاعي في رحلك، ثم أنادي عليك بالسرقة لأحتال في ردك بعد إطلاقك معهم. قال: فافعل ما شئت،
70 - فذلك قوله تعالى: {فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ} يوسف وهيأهم {بِجَهَازِهِمْ}؛ أي: بأهبة سفرهم؛ أي: فلما هيأ يوسف لهم ما يحتاجون إليه للسفر، وحمل لهم أحمالهم من الطعام على إبلهم، وعبّر (?) هنا بالفاء إشارة إلى طلب سرعة سيرهم وذهابهم إلى بلادهم؛ أي: لأن الغرض منه قد حصل، وقد عرفت حالهم بخلاف المرة الأولى، كان المطلوب فيها طول مدة إقامتهم؛ ليتعرف الملك حالهم. {جَعَلَ} يوسف عليه السلام {السِّقَايَةَ}؛ أي: المشربة - بكسر الميم - وهي صاع من ذهب مرصع بالجواهر؛ أي: على بالرصائع، وهي حلق يحلى بها، الواحدة رصيعة وكان يشرب فيه الملك، فيسمى سقاية باعتبار أول حاله، وصاعًا باعتبار آخر أمره؛ لأن الصاع آلة الكيل يسع أربعة أمداد. فالسقاية إناء يشرب منه، جعلها يوسف مكيالًا؛ لئلا يكال بغيرها، وكان يشرب فيها، أو كال بها لإخوته إكرامًا لهم، وكانت من ذهب، وقيل: من فضة، وكان الشرب في إناء الذهب والفضة مباحًا في الشريعة الأولى، فالسقاية والصُّواع اسم لإناء كما مر آنفًا؛ أي: دس يوسف مشربته التي كان يشرب فيها {فِي رَحْلِ أَخِيهِ} الشقيق بنيامين؛ أي: في وعاء طعامه. والمعنى: فلما قضى لهم حاجتهم، ووفاهم كيلهم جعل الإناء الذي يكيل به الطعام في رحل أخيه. وفي قوله: {جَعَلَ السِّقَايَةَ} إيماء إلى أنه وضعها بيده، ولم يكل ذلك إلى أحد من فتيانه كتجهيزهم الأول والثاني؛ لئلا يطلعوا على مكيدته.
ثم ارتحلوا راجعين إلى بلادهم، فأمهلهم يوسف حتى خرجوا من العمران،