ولما انفصلوا عن مصر نحو الشام .. أرسل يوسف وراءهم من استوقفهم، فاستوقفهم فوقفوا {ثُمَّ أَذَّنَ} ونادى {مُؤَذِّنٌ}؛ أي: مناد من فتيان يوسف، قيل: اسمه أفراييم كما في "روح البيان"؛ أي: نادى منادٍ برفع صوته مرارًا كثيرة قائلا: {أَيَّتُهَا الْعِيرُ}؛ أي: أيتها القافلة التي فيها الأحمال ويا أصحاب الإبل التي عليها الأحمال. والعير (?) في الأصل: كل ما يحمل عليه من الإبل والحمير والبغال، سمي بذلك؛ لأنه يعير؛ أي: يذهب ويجيء، والمراد هنا: أصحاب الإبل ونحوها. {إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} صواعنا فقفوا لنفتشكم. وقرأ عبد الله فيما نقل الزمخشري شذوذًا: {وجعل السقاية في رحل أخيه ثم أمهلهم حتى انطلقوا ثم أذن}. وفي نقل ابن عطية {وجعل السقاية} - بزيادة واو - دون الزيادة التي زادها الزمخشري بعد قوله: {فِي رَحْلِ أَخِيهِ} وثم تنتفي المهلة بين جعل السقاية والتأذين، ذكره أبو حيان.
والخلاصة: افتقد فتيان يوسف عليه السلام السقاية (?)؛ لأنها الصواع الذي يكيلون به للمتارين، فلم يجدوها، فأذن مؤذنهم بذلك؛ أي: كرر النداء به كدأب الذين ينشدون المفقود في كل زمان ومكان قائلًا: أيتها العير إنكم لسارقون؛ أي: يا أصحاب العير قد ثبت عندنا أنكم سارقون، فلا ترحلوا حتى نفتشها في رحالكم.
فإن قلت: (?) هل كان هذا النداء بأمر يوسف عليه السلام أم لا؟، فإن كان بأمره، فكيف يليق بيوسف مع علو منصبه، وشريف رتبته من النبوة والرسالة أن يتهم أقومًا، وينسبهم إلى السرقة كذبًا مع علمه ببراءتهم عن تلك التهمة التي نسبوا إليها؟
قلت: ذكر العلماء عن هذا السؤال أجوبة:
أحدها: أن يوسف لما أظهر لأخيه أنه أخوه قال: لست أفارقك، قال: لا سبيل إلى ذلك إلا بتدبير حيلة أنسبك فيها إلى ما لا يليق، قال: رضيت بذلك،