واحد
67 - {وَقَالَ} ناصحًا لهم: {لَا تَدْخُلُوا} مدينة مصر {مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ} من أبوابها الأربعة {وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ}؛ أي: مختلفة؛ أي: من طرق شتى وسكك مختلفة مخافة العين، فإن العين والسحر حق؛ أي: كائن أثرهما في المعين والمسحور، وصاهم بذلك في هذه الكرة؛ لأنهم كانوا ذوي جمال وهيئة حسنة مشتهرين في مصر بالقربة عند الملك، فخاف عليهم، إن دخلوا جماعة واحدة أن يصابوا بالعين، ولم يوصهم في الكرة الأولى؛ لأنهم كانوا مجهولين حينئذٍ مغمورين بين الناس غير متجملين تجملهم في الثانية، وكان الداعي إليها خوفه علي بنيامين {وَمَا أُغْنِي}؛ أي: وما أدفع {عَنْكُمْ} بتدبيري {مِنَ} قضاء {اللَّهِ} تعالى وتدبيره {مِنْ شَيْءٍ}؛ أي: شيئًا فـ {مِنَ} زائدة لتأكيد النفي، فإن الحذر لا يمنع القدر.
ولم يرد به إلغاء الحذر بالمرة (?)، كيف لا وقد قال تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} وقال {خُذُوا حِذْرَكُمْ} بل أراد بيان أن ما وصاهم به ليس مما يستوجب المراد لا محالة، بل هو تدبير في الجملة، وإنما التأثير وترتب المنفعة عليه من العزيز القدير، وإن ذلك ليس بمدافعة للقدر، بل هو استعانة بالله تعالى وهرب منه إليه.
وإنما قال: {مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ} (?) لأنهم لو دخلوا من بابين مثلًا .. كانوا قد امتثلوا النهي عن الدخول من باب واحد، ولكنه لما كان في الدخول من بابين مثلًا نوع اجتماع يخشى معه أن تصيبهم العين .. أمرهم بأن يدخلوا من أبواب متفرقة.
والمعنى: ولا أدفع عنكم ولا أجلب إليكم نفعًا بتدبيري هذا، بل ما قضاه الله عليكم فهو واقع لا محالة. قال الزجاج وابن الأنباري: لو سبق في علم الله أن العين تهلكهم مع الاجتماع .. لكان تفرقهم كاجتماعهم. وقال آخرون: ما كان يغني عنهم يعقوب شيئًا قط حيث أصابهم ما أصابهم مع تفرقهم من إضافة السرقة إليهم.