من يعبرُ النَّهْرَ من ضفةٍ إلى أخرى. وأصلُ العبارة (?): مشتقة من عبور النهر، فمعنى عبرت النهر: بلغت شَاطِئَه، فعابرُ الرؤيا يخبر بما يؤول إليه أمرها. قال الزجاج: (اللام) في (للرؤيا) للتبيين؛ أي: إن كنتم تعبرون، ثمّ بَيَّن فقال: (للرؤيا). وقيل: هي للتقوية وتأخير الفعل العامل فيه لرعاية الفَواصل.
44 - وجملة قوله: {قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ} مستأنفة استئنافًا بيانيًّا واقعًا في جواب سؤال مقدر، فكأنه قيل: فماذا قال الملأ للملك؟ فقيل: قالوا، إلخ. والأضْغَاثُ (?): جمع ضغث، وهو كل مختلط من بقل أو حشيش أو غيرهما. والأحلامُ: جمع حلم، وهي الرؤيا الكاذبة التي لا حقيقةَ لها، كما يكون من حديث النفس، ووسواس الشيطان، والإضافة بمعنى من أو من قبيل إضافة لجين الماء، وجمعوا الأحلام ولم يكن من الملك إلا رُؤْيَا واحدة مبالغةً منهم، في وصفها بالبطلان، ويجوز أن يَكُونَ رأى مع هذه الرؤية غيرها مما لم يَقُصَّه الله تعالى علينا، أو لتضمنها أشياءً مختلفةً من السبع السمان، والسبع العجاف: والسنابل السبع: الخضر والأخر اليابسات؛ أي: قالوا هذه الرؤيا أضْغَاثُ أحلام؛ أي: أخالِيطُ الأحلام وأباطيلها وأكاذيبها من حديث نفس أو وسوسة شيطانٍ؛ أي: هذه أحلام مختلطَةُ ورؤيا كاذبة، لا حقيقةً، ولا معنى لها {وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ}؛ أي: بتعبير المنامات الباطلة التي لا أصل لها {بِعَالِمِينَ}؛ لأنه لا تأويلَ لها، وإنما التأويل للمنامات الصادقةِ لا لأنَّ لها تأويلًا، ولكن لا نعلمه. قال الزجاج: المعنى: بتأويل الأحلام المختلَطَة، نفُوا عن أنفسهم عِلْمَ ما لا تأويلَ له، لا مطلقَ العلم بالتأويل. وقيل: إنَّهُم نَفَوْا عن أنفسهم عِلْمَ التعبير مطلقًا، ولم يَدَّعُوا أنه لا تعبيرَ لهذه الرؤيا. وقيل: إنهم قَصدوا مَحْوَها من صدرِ المَلِكِ حتى لا يشتغل بها، ولم يكن ما ذكروه مِنْ نَفْيِ العلم حقيقةً.
ويجوز (?) أن يكون ذلك اعترافًا منهم بقصور علمهم، وأنَّهم لَيسوا بِنَحَارِير في تأويل الأحلام، مع أنَّ لها تأويلًا فكأنهم قالوا: هذه الرؤيا مختلطة من أشياء