قال: إني رأي فيما يَرَى النائم رُؤْيا جَلِيَّةً كأني أراها الآن {سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ} جمع سمين، وسمينة خرجن من نهر يابس في إثرهن سبع عجاف؛ أي: مهازيلُ {يَأْكُلُهُنَّ}؛ أي: يأكل تلك السمان {سَبْعٌ عِجَافٌ}؛ أي: فابتلعت العجاف السمان. والعجاف: جمع عجفاءَ على غير قياس. وقياس جمعه: عُجْفٌ؛ لأنَّ فَعْلاَءَ وأفْعل لا يجمع على فعال كما سيأتي في مبحث الصرف إن شاء الله تعالى، ولكنه عَدَلَ عن القياس حَمْلًا على سمان. {و} إني رأيت {سبع سنبلات} جمع سنبلة، وهي ما يكون فيه الحب كسنبلة الحنطة {خُضْرٍ} قد انعَقَدَ حبها جمع خضراء، وهي التي لم تبلغ أوانَ الحصاد {و} رأيت سبعًا {أُخَرَ يابسات} قَدْ أدركت، وبلغت أوانَ الحصاد جمع يابسة، واليابس من السنبل ما آن حصاده، فالْتَوَتْ اليابساتُ على الخضر، حتى غلبن عليها، واستغنى عن بيان حالها، بما قصَّ مِنْ حال البقرات.
فلما (?) استيقظ من منامه، اضطرب بسبب أنَّهُ شاهَدَ أنَّ الناقص الضعيفَ، استولى على الكامل القوي، فشهدت فطرته بأنَّ هذه الرؤيا صورة شر عظيم، يقع في المملكة إلا أنه ما عَرَفَ كَيفية الحال فيه، فاشتاقَ ورغِبَ في تحصيل المعرفة بتعبير رؤياه، فجمع أعْيَانَ مملكته من العلماء والحكماء، وكذا الكهنة والمنجمين، وأخْبرهم بما رأى في منامه، وسألهم عن تأويلها فأعجزهم الله تعالى عن تأويل هذه الرؤيا؛ ليكون ذلك سببًا لخلاص يُوسُفَ من السجن، وذلك قوله عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ} والأشراف من قومي المعبرون للرؤيا فهو خطاب للأشراف من العلماء، والحكماء، أو للسحرة، والكهنة، والمنجمين، وغيرهم {أَفْتُونِي} وأجيبوا لي {فِي} تأويل {رُؤْيَايَ} هذه؛ أي: عبِّروها لي وبيِّنوا حكمَها، وما تؤول إليه من العاقبة {إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ}؛ أي: إن كنتم تعلمون تعبيرَ جنس الرؤيا، وتفسيرَ المنام؛ أي: عبروها (?) لي إنْ كنتم تعبرون الرؤيا، وتبينونَ المعنى الحقيقيَّ المرادَ من المعنى المثاليّ، فيكون حالكم حالَ