منه {فَيُصْلَبُ}؛ أي: فيقتل صَلْبًا {فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ} الكواسر، كالحدأة، والرخمة، ونحوهما {مِنْ رَأْسِهِ} رُوي أنه عليه السلام قال له: بئس ما رأيتَ؟ أمَّا خروجك من المطبخ، فخُروجُك من عملك، وأما السلال الثلاث فَثلاثَةَ أيامٍ تمُرُّ ثم يُوجه الملك إليكَ عند انقضائهن، فيصلبك فتأكل الطير من رأسك. وفي "الكواشي": أكْلُ الطير من أعلاها إخراجه في اليوم الثالث، انتهى.
{قُضِيَ}؛ أي: نُفذَ وفرغ، وأتِمَّ، وأحكِم {الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ}؛ أي: تطلبان فتواهُ، وتأويلَه، وهو ما رأياه من الرؤيين.
وإسناد (?) القضاء إليه مع أنه من أحوال مآله، وهو نَجَاةُ أحدهما، وهلاك الآخر؛ لأنه في الحقيقة عَيْنُ ذلك المآل، وقد ظَهر في عالم المثال بتلك الصورةِ؛ أي: تَمَّ الأمر الذي تسألان عنه، رأيتما أو لم تَرَيَا، فكما قلتما، وقُلْتُ لكما كذلك يكونُ. رُوِيَ أنَّه لمَّا عَبَّر رؤياهما جَحَدا، وقَالا: ما رأينا شَيئًا فأخْبَرَ أنَّ ذلك كائن صدقتما، أو كذبتما, ولعَلَّ الجحودَ من الخباز؛ إذ لا داعي إلى جحود الساقي إلَّا أن يكون ذلك لمراعاة جانبه، فكان الأمر كما عبَّر يُوسُف. قال ابن مسعود (?) رضي الله عنه: فلما سمعا تعبيرَ يوسف عليه السلام، وقَولَه ذلك قالا: ما رأينا شيئًا، إنما كنا نَلْعَبُ قال يوسف: {قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ}؛ أي: فُرغَ من الأمر الذي سألتما عنه، ووجب حُكْمُ الله عليكما بالذي أخبرتكما به، رأيتما شيئًا أم لم تَرَيا.
42 - {وَقَالَ} يوسف عليه السلام {لِلَّذِي ظَنَّ}؛ أي: يوسف؛ أي: عِلمَ وتَحَقَّق، فالظَّنُّ بمعنى العلم، والظان (?) هو يوسف عليه السلام؛ لأنه قد علم من الرؤيا نجاة الساقي، وهلاك الخَبَّاز، وهكذا قال جمهور المفسرين. وقيل: الظن على ظاهره، ومعناه: لأنَّ عابِرَ الرؤيا إنما يَظُنُّ ظَنًّا، والأُولى أَولى، وأنسبُ بحال الأنبياء، ولا سيما وقد أخبَر عن نفسه عليه السلام بأنه قد أطلَعه الله على شيء مِنْ علم الغيب كما في قوله: {لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ