تُرْزَقَانِهِ} الآية. {أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا}؛ أي قال يوسف للرجل الذي ظَنَّهُ نَاجِيًا من القتل منهما؛ أي: من صاحبيه، وهو الساقي. وجملة قوله: {اذْكُرْنِي} أيُّها الساقي {عِنْدَ رَبِّكَ}؛ أي: سيدك الملك الأكبر، هي مقول القول؛ أي: اذكر حالي عند سيدك، فقل له: إنَّ في السجن غلامًا مَحبوسًا، مظلومًا، طال حبسه نحوَ خمسِ سنينَ. يعني أمره بأن يذكره عند سيده، ويصفه بما شاهده منه من جودة التعبير، والاطلاع على شيء من علم الغيب. {فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ}؛ أي: فأنسى الشيطان الساقي {ذِكْرَ رَبِّهِ}؛ أي: أن يذكر يوسُفَ عند الملك؛ أي: أنسَى الشيطان بوسوسته الساقيَ ذكره ليوسف عند الملك، فالإنساء في الحقيقة لله تعالى، وهذا قول عامَّة المفسرين، قالوا: لأنَّ صَرْفَ وسوسة الشيطان إلى ذلك الرجل الساقي، حتى أنساه ذكرَ يوسف أولى من صرفها إلى يوسف. وقيل: الضمير في أنساه عائد على يوسف.
والمعنى: أن الشيطان أنْسَى يوسفَ ذكرَ ربه عَزَّ وَجَلَّ حتى طَلَب الفَرَجَ من مخلوق مثله، وتلك غفلة عرضت ليوسف عليه السلام، فإنَّ الاستعانة بالمخلوق في دفع الضرر جائزة في الشريعة، إلا أنه لما كان يوسف في أشرف المراتب، والمقامات، وهي منصب النبوة، والرسالة، لا جَرَمَ صارَ يوسف مؤاخذًا بهذا القدر من الاستعانة، فإنَّ حسنات الأبرار سيئات المقربين.
فإن قلتَ (?): كيف تمَكَّن الشيطان من يوسف حين أنساه ذكر ربّه؟.
قلت: بشغل الخاطر، وإلقَاءِ الوسوسة، فإنه قد صحَّ في الحديث: "إن الشيطان يجري من ابن آدم مَجْرى الدم"، فأما النِّسيان الذي هو عبارة عن ترك الذكر، وإزالته عن القلب بالكلية، فلا يقدر عليه. وبالجملة: فالأولى بالصدِّيقين أن لا يشتغلوا إلا بمسبب الأسباب، ولذلك جوزي يُوسُفُ بسنتين في الحبس كما قال: {فَلَبِثَ} يوسف {فِي السِّجْنِ} بسبب ذلك القول {بِضْعَ سِنِينَ}؛ أي: سبعَ سنينَ خَمْسًا منها قبل ذلك القول، وثنتين بعده، هذا هو الصحيح. وقيل: لَبِثَ