ضيق، لإيمانه بأنه هو الرب المدبر لكل شيء، وأن كلَّ ما سواه فهو خاضع لسلطانه، ولا يملك لنفسه، ولا لغيره غير ما أعطَاه من القوى، فإليه وحده المَلْجَأُ في كل ما يعجز عنه الإنسانُ، أو يجهله من الأسباب، وإليه المصير في الجزاء على الأعمال يومَ يقوم الحساب والمعنى أنه (?) أمركم بتخصيصه بالعبادة دُونَ غيره مما تزعمون أنه معبودٌ.
ثم بين لهم أنَّ عبَادَته وحده دون غيره هي دين الله الذي لا دين غيره، فقال: {ذَلِكَ}؛ أي: تخصيصه بالعبادة {الدِّينُ الْقَيِّمُ}؛ أي: المستقيم الثابت؛ أي: إنَّ تَخْصِيصَه بالعبادة هو الدينُ الحق، الذي لا عِوَج فيه، والذي دعا إليه جميع الرسل، ودلَّتْ عليه براهينُ العقل والنقل. {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} أنَّ ذلك هو الدين الحق المستقيم، الذي لا اعْوِجَاجَ فيه، لا ما سَارُوا عليه تبعًا لآبائهم الوثنيين من الاعتقاد، بأرباب متفرقين لجهلهم بتلك البراهين.
41 - ولما فرغ يوسف عليه السلام من بيان الحق لهما في مسألة التوحيد، وعبادة الله تعالى وحدَه، شرع في تعبير رؤياهما فقال: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ} الإضافة فيه بمعنى في؛ أي: يا صاحبين لي في السجن {أَمَّا أَحَدُكُمَا} وهو الساقي الذي رأى أنه يعصِرُ خَمْرًا، ولم يعينه ثقةً بدلالة الحال، ورعايةً لِحُسْن الصحبة، أو لكراهةِ التصريح للخبَّاز بأنه الذي سَيُصلب {فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا}؛ أي: فيسقي سيده، ومالكَ رقبته خَمْرًا. وقد رُويَ أنَّ يُوسُفَ قال له في تعبير رؤياه: ما أحْسنَ ما رأيتَ؟ أمَّا الكرمة فهي الملك، وحسنها حسن حالك عنده برجوعك إلى منزلتك الأولى، بل إلى أحسنَ منها، وأما الأغصان الثلاثة: فثلاثة أيام، تَمْضي في السجن، ثم تخرج، وتعود إلى عملك. وقرأ الجمهور: {فَيَسْقِي رَبَّهُ} من سقَى، وفرقة: {فيسقي} من أسقى، وهما لغتان بمعنى واحد. وقال ابن عطية: وقرأ عكرمة والجحدري: {فيُسْقَى ربه خمرًا} بضم الياء، وفتح القاف؛ أي: ما يرويه، ذكره أبو حيان. {وَأَمَّا الْآخَرُ} وهو الخبَّاز الذي رَأَى أنه يحمل خبزًا تأكل الطير