قريب لها, يُتَّهَمُ بالتحامل عليها, ولا بظلمها، وتجريحها برَمْيِها بما هي منه براء.
29 - ثم خاطب العزيز يوسف عليه السلام بقوله: يا {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا} الأمر الذي جَرَى، واكتمه، ولا تتحدث به حتى لا يشيع فيعيروني. ثم أقبلَ عليها بالخطاب فقال: {وَاسْتَغْفِرِي} أنتِ يا زليخا {لِذَنْبِكِ} الذي صدر منك وثَبَتَ عليك؛ أي: توبي إلى الله تعالى ممَّا رَمَيْتِ يُوسُفَ به وهُو بريء منه. فإنْ قلت: إنَّهم قوم مشركون، فلا يعرفون ذَنْبَهُم مع خالقِهِم، فما الذنب الذي يطلب منه الاستغفار؟ أُجِيبَ: بأن المرادَ بالذنب خِيَانتها لزوجها.
{إِنَّكِ كُنْتِ} بسبب ذلك {مِنَ الْخَاطِئِينَ}؛ أي: من جملة القوم الذين تَعَمَّدُوا للخطيئة والذنب، يقال: خطىء إذا أذنب عَمْدًا.
والجملة (?): تعليل لما قَبْلَها من الأمر بالاستغفار، ولم يقل من الخَاطِئَات تغليبًا للمذكر على المؤنث كما في قوله: {وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ}. وقيل: إن القائلَ لِيُوسُفَ ولامرأة العزيز بهذه المقالة هو الشاهد الذي حَكَمَ بينهما.
والمعنى (?): أي يا يوسف أعرض عن ذكر هذا الكيد، الذي حصل، ولا تتحدَّثْ به كي لا ينتشر أمرُه بين الناس، ولا تَخَفْ من تهديدها، وكيدها لك، وأنتِ أيتها المرأة توبي إلى ربك واستغفري لذنبك، إنك كنت من زمرة المجرمين، الذين يتعمدون ارتكابَ الخَطايا، ويجترحُون السيئات، وهم مُصِرُّون عليها. قيل (?): وَكَان العزيز رَجُلًا حَلِيمًا فاكتفى بهذا القدر في مؤاخذتها. وقيل: إنه كانَ قليلَ المغيرة بل قال في "البحر": إنَّ تُرْبَةَ مصر تقتضي ذلك، ولهذا لا يَنْشأُ فيها الأسد، ولو دَخَل فيها لا يَبْقى. ورُوي أنَّه حَلَفَ أن لا يدخل عليها إلى أربعين يومًا، وأخرج يوسف من عندها، وشغله في خِدْمَتِه وبقِيَتْ زُليخا لا تَرَى يُوسُفَ.