بتلابيبه، فجَاذَبَها فانقد قميصه، وهما يتنازعان، ويتصارعان، وهو من الكاذبين، في دَعواه أنها راودته فامتنعَ وفرَّ هاربًا، فتبعته وجذبته تريد إرجاعه، وإن كَانَ قميصه قُدَّ من الخَلْف فكذبت في دعواها، أنه هجم عليها يريد ضَرْبَها، وهو من الصادقين في قوله: أنه فرَّ هاربًا منها.
28 - {فَلَمَّا رَأَى} العزيز {قَمِيصَهُ} أي: قميص يوسف {قُدَّ} وشق {مِنْ دُبُر}؛ أي: من وراءَ وخلف، وعلم براءة يوسف وصدقه {قَالَ}؛ أي: العزيز {إِنَّهُ}؛ أي: إنَّ الأمر الذي وقع فيه التشاجر {مِنْ كَيْدِكُنَّ}؛ أي: من جنس حيلتكنَّ ومكركن أيها النساء، لا من غيركن، فخَجَلَتْ زليخا، وتعميم الخطاب للتنبيه على أنَّ ذَلِكَ خُلُقٌ لهن عريق {إِنَّ كَيْدَكُنَّ} ومَكْرَكُنّ يا معشرَ النساء {عَظِيمٌ} فإنه ألصق، وأعْلَقُ بالقلب، وأشد تأثيرًا في النفس؛ أي: من كيد الرجال؛ لأنَّ لهن في هذا الباب من الحِيَلِ ما لا يكون للرجال، ولأنَّ كَيْدَهُنَّ في هذا الباب يورث من العار ما لا يورثه كيد الرجال، ولأنَّ الشيطان يوسوس مسارقة، وهن يواجههن به الرجال، فالعظم بالنسبة إلى كيد الشيطان.
وقال بعض العلماء: إنّي أخاف من النساءِ ما لا أخاف من الشيطان، فإنه تعالى يقول: {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} وقال للنساء: {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ}. وإنما وَصَف كَيْدَ النِّساءِ بالعِظم، وَكَيد الشيطان بالضَّعْفِ؛ لأن كَيْدَ النساء أقوى بسبب أنهن حبائل الشيطان، فكيدهن مقرونٌ بكيد الشيطان فهما كيدان، بخلاف كيد الشيطان دونهن فكيد واحد.
والمعنى (?): أي فلمَّا نظر العزيز إلى القميص، ورأَى الشقَّ من الخلف أيقَنَ بصدق قوله، واعتقد كَذِبَها، وقال: إن هذا محاولة للتنصل من جُرْمِهَا باتِّهامها له بضروب الكيد المعروفة عن النساء، فهو سنة عامة فيهن، فهن يجتهدن في التبري من خطاياهن، ما وجدن إلى ذلك سبيلًا، وكيد النساء عظيم، لا قبَلَ للرجال به، ولا يفطنون لحيلهن حتى يدفَعُوها قدر المستطاع، ولا شك أنَّ هذه شهادة من