يَعْبُدُونَ} ومَنْ مَنَعَ تأَوَّل، ذكره أبو حيان.
17 - ثُمَّ ذكر الله سبحانه وتعالى أنَّ بين مَنْ كان طالبًا للدنيا فقط، ومن كانَ طالبًا لِلآخرة تفاوتًا عظيمًا، وتباينًا بعيدًا فقال: {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ} و (الهمزة) فيه للاستفهام الإنكاري داخلةٌ على محذوف، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، والتقدير: أجَهِلتُم وتَعَامَيْتُم عن الحق فَمَنْ كان على بينة ومعجزة، وبيان وبرهان من ربه، والمراد بالبينة: القرآن، وهو النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنون فـ {مَن} مبتدأ خبره محذوف تقديره؛ أي: أفمن كان على برهان من ربه، كمن هو في كفر وضلالة، وجواب الاستفهام محذوف أيضًا، تقديره: لا يستويان، وقد صرَّحَ بهذين المحذوفين في قوله تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18)} وقوله: {وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ} معطوف على جملة الصلة، والضميرُ في {يتلوه} عائد على {مَن} وكذلك الضمير في قوله الآتي {من قبله} كما في "الصاوي"، أي أفمن كانَ على بيان وبرهان من ربه ويتلوه؛ أي: ويتبعه ويصدِّقه، ويقَوِّيه شاهد منه؛ أي: من الله تعالى، وهو جبريل كمن ليس كذلك وقوله: {وَمِنْ قَبْلِهِ} حال من {كِتَابُ مُوسَى} وهو معطوف على {شَاهِدٌ} وقوله: {إِمَامًا وَرَحْمَةً} حالانِ أيضًا من {كِتَابُ مُوسَى} والتقدير: أفمَن كانَ على بيان وبرهان وحجة من ربه، ويتلوه ويتبَعُه ويصدِّقُه، ويقويه شاهد منه تعالى, يشهدُ بصدقه، وهو جبريل، ويتلوه ويتبعه، ويُوافقه كتاب موسى، فيما يدَّعِيه من التوحيد حالَ كون كتاب موسَى كائنًا من قبله، وحالةَ كَوْن كتابه إمامًا يقتدَى به في الدين، وحالةَ كونه رحمةً لمن آمن به من بني إسرائيل؛ لأنه يهدي إلى الحق في الدين والدنيا، كمَنْ ليسَ كذلك لا يستويان فبينهما بون بائن وفرق فارق.
وقرأ محمَّد بن السائب الكلبيُّ وغيره (?): {كتابَ موسى} بالنصب عطفًا على مفعول {يتلوه} أو بإضمار فعل، فالضمير في {يتلوه} حينئذ عائدٌ على بينة، بمعنى القرآن؛ أي: ويتلو القرآن، وكتاب موسى شاهدٌ منه تعالى، وإنما خَصَّ كتاب موسى بالذكر دونَ كتاب عيسى؛ لأنَّ أهلَ الملتين اليهودَ،