الصحة، والكفاف، وسائر اللذات، والمنافع، فخص الجزاءَ بمثل ما ذكره، وهو حاصلٌ لكل عامل للدنيا, ولو كانَ قليلًا يسيرًا
16 - {أُولَئِكَ} الذين لا هَمَّ لهم إلا الدنيا، وزينتَها الموفون فيها جزاءَ أعمالهم هم {الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ} بسبب هذه الأعمال الفاسدة المقرونةِ بالرياء؛ لأنَّ الجزاءَ فيها على الأعمالِ كالجزاءِ في الدنيا، وهم لم يعملوا للآخرة شيئًا، فإنَّ العمل لَهَا يكون بتزكية النفس بالإيمان، وعمل الفضائل، وبالتقوى باجتناب المعاصي، والرذائل، وما صَنَعُوه فيها مِمَّا ظاهِرُه البرُّ والإحسان كالصدقة، وصلة الرحم، ونحو ذلك، لم يكن تزكيةً لأنفسهم تُقربُهم إلى ربهم بَلْ كانَ لأغراض نفسية من شهواتهم كالرياء، والسمعة، والاعتزاز بذوي القرابة على الأعداء، ولو بالباطل فلا أجْرَ له فيها، وقد انقطع أثرهُ الدنيويُّ.
{وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا}؛ أي: ظهر حُبوطُ ما صنعوه من الأعمال التي كانت صُورَتُها صورةَ الطاعات الموجبة للجزاء الأخروي، لولا أنهم أفسَدُوها بفساد مقاصدهم، وعدم الخلوص فيها، وعدم إرادة ما عند الله في دار الجزاء، بل قَصَرُوا ذَلك على الدنيا وزينتها؛ أي: ظَهَر حبوطُه وبُطْلانهُ {فِيهَا}؛ أي: في الآخرة، إن قلنا: إن الجار والمجرور متعلق بـ {حبط} فالضميرُ عائد إلى {الْآخِرَةِ} وإن تعلق بـ {صَنَعُوا} فهو عائد إلى {الدُّنْيَا} {وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}؛ أي: إنه كان عملهم في نفسه باطلًا غيرَ معتد به, لأنه لم يعمل لوجه صحيح يوجب الجزاءَ ويترتَّبَ عليه ما يترتَّبُ على العمل الصحيح.
فصل
ويندرج في عموم الآية (?) المُراؤون من أهل القبلة، كما ترى أحدَهم إذا صلّى إمامًا يتنغم بألفاظ القرآن، ويُرتِّلِهُ أحسنَ ترتيل، ويُطيل ركوعَه وسجُودَه، ويتباكَى في قراءته، وإذا صَلّى وَحْدَهُ اختلسها اختلاسًا، وإذا تصدَّقَ أظهَرَ صدقتَه أمَامَ مَنْ يثني عليه، ودَفَعها لمن لا يستحقها، حتى يُثْنِي عليه الناسُ، وأهلُ