بِسُورَةٍ مِثْلِهِ} يعني مثله في الإخبار عن الغيب، والأحكام، والوعد، والوعيد، وقولُه في سورة هود: {فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ} يعني مجرَّدَ الفصاحة، والبلاغة من غير إخبارٍ عن غيبٍ، ولا ذِكرِ حكم، ولا وعد، ولا وعيد،
15 - ثم إنَّ اللَّهَ سبحانَه وتعالى توعَّدَ مَنْ كَانَ مقصورَ الهمة على الدنيا، لا يطلُب غَيْرَها, ولا يريد سِوَاها فقال: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ} بعمله الذي يَعْمَلَهُ من أعمال البر والخير من العبادات، وإيصال المنفعة إلى الحيوانات {الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}؛ أي: التمتعَ بلذاتها من طعام وشراب {وَزِينَتَهَا}؛ أي: ما يَتَزَيَّن به فيها من اللباس والأثاث، والرياش، والأموال، والأولاد دُونَ استعدادٍ للحياة الآخرة {نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا}؛ أي: نُؤدِّ إليهم جزاءَ أعمالهم، وثمراتها فيها، وافيةً تامَّةً بحسب إرادتنا، وسُنَّتِنَا في الأسباب؛ أي: نوصل إليهم ثمرات أعمالهم في الحياة الدنيا، كاملةً {وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ}؛ أي: والحال أنهم في الحياة الدنيا: لا يُنْقَصون من جزاءِ أعمالهم نقصًا كليًّا، ولا يحرمون من ذلك حرمانًا كليًّا، لأجل كفرهم إذ مدار الأرزاق فيها على الأعمال، لا على النيات، والمقاصد، وإن كانَ لهداية الدينِ أثر في ذلكَ كالاستقامة، والصدقِ واجتنابِ الخيانةِ والزور، والغش، وغير ذلك، وذلكَ الجزاء هو: ما يرزقون فيها من الصّحَّةِ، والرياسة، وسعة الرّزق، وكثرة الأولاد ونحو ذلك.
والخلاصة: أَنَّ جزاءَ الأعمال في الدنيا مَنُوطٌ بأمرَين: كسب الإنسان، وقضاءِ الله، وقدره به، وأمَّا جزاءُ الآخرة فهو بفعلِ الله تعالى بلا وساطةِ أحد، {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا}.
{وَهُمْ}؛ أي: هؤلاء المريدون بأعمالهم الدنيا هم {فِيهَا}؛ أي: في الدنيا {لَا يُبْخَسُونَ}؛ أي: لا ينقصون منْ جزائهم فيها بحسب أعمالهم لها، وذلك في الغالب، وليس بمطرد، بل إن قَضَتْ به مشيئتُهُ سبحانه ورجَّحَتْهُ حكمتُه البالغةُ، وقال (?) القاضي: معنى الآية مَنْ كانَ يريد بعمل الخيرِ الحياةَ الدنيا، وزينتَهَا نوف إليهم أعمالهم، وافيةً كاملةً من غير بخس في الدنيا، وهو ما ينالون فيها من