وعبر بـ {ضائق} دونَ ضيق, لأن اسم الفاعل فيه معنى الحدوث، والعروض، والصفة المشبهة فيها معنى اللزوم؛ أي: لا تَتْرُك تبليغَ بَعْضَ ما يُوحى إليك من البينات الدالَّة على حقيقة نبوتك، ولا يَضِيْق صدرك بتلاوته عليهم في أثناء الدعوة، والمحاجةِ، مخافةَ {أَنْ يَقُولُوا} لك {لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ}؛ أي: هلَّا أُنْزِل على محمد {كَنْزٌ}؛ أي: مالٌ كثير مكنوز مخزون ينتفع به، ويَسْتَغْنِي به، ويُنْفِقُه {أَوْ} هلَّا {جَاءَ مَعَهُ مَلَكٌ} يشهدُ بصدقه، وقائل (?) هذه المقالةِ هو: عبدُ الله بن أبي أمية المخزومي.
والمعنى: أنهم قالوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إن كنتَ صادقًا في قولِك بأنَّكَ رسولُ الله، الذي تصفه بالقدرة على كل شيء، وأنت عزيزٌ عنده، مع أنك فقيرٌ، فهلَّا أنزلَ ما تستغني به، أنت وأصحابُك، وهلَّا أَنْزلَ عليك مَلَكًا يشهد لك بالرسالة، فتزولَ الشبهة في أمرك، فأخْبَرَ الله تعالى عَزّ وجلّ أنه - صلى الله عليه وسلم - نذيرٌ بقوله عز وجل: {إِنَّمَا أَنْتَ} يا محمَّد {نَذِيرٌ} تُنذِر الناسَ بالعقاب على أعمالهم التي عَمِلُوها لِطلبِ الدنيا، وذلك أنَّ اللهَ سبحانه وتعالى، يوسِّع عليهم الرزق، ويدفع عنهم المكارهَ في الدنيا {وَاللَّهُ} سبحانه وتعالى {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} وليسَ عليكَ من أعمالهم شيءٌ.
وحاصل المعنى: أنَّ عِنَادَهم وجحودَهم، وإعراضَهم عن الإيمان، وشدَّةَ اهتمامِك بأمرِهم، ممَّا شأنه أن يَقْتضِي ضَيْقَ الصدر بحسب الطباع البشرية، أو أن يخطرَ على البال، ترك بعضِ الوحي، ولولاَ عِصْمَتُنا إيَّاك، وتثبيتُنا لك، لاجْترَحت ذلك، واستَسْلَمْتَ لما لمثله جَرَت العادة، ولكنَّ الله تعالى حَفِظكَ حتى تؤدِّي رِسالتَه، وترحَمَ العالمين بنور نبوتك، كما قال: {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74)}.
وقد جَاء بمعنى الآية قولُه تعالى؛ {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6)}، وقولُه: {وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا