يَمْكُرُونَ (70)}، وقوله: {المص (1) كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)}، {إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ}؛ أي: ليس عليك إلا إنذارُهم بما أوحيَ إليك، غيرَ مبال بما يَصْدُر منهم، ويطلق ألسنتَهم، والله هو الرقيب على عباده، وليسَ عليكَ من أعمالهم شيء.
فصل
وأجمع المسلمون على أنه - صلى الله عليه وسلم - فيما (?) كَانَ طريقه البلاغ فإنه معصوم فيه من الإخبار عن شيء منه، بخلافِ ما هو به، لا خطأً، ولا عمدًا، ولا سهوًا، ولا غلطًا، وأنه - صلى الله عليه وسلم - بلغَ جميعَ ما أنزلَ الله عليه إلى أمَّته، ولم يكتم منه شيئًا، وأجمعوا على أنَّه لا يجوز على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيانةٌ في الوَحْي، والإنذار، ولا يترك بَعض ما أوحي إليه لقولِ أحدٍ؛ لأنَّ تجويزَ ذلك يؤدي إلى الشك في آداء الشرائع، والتكاليف؛ لأنَّ المقصودَ من إرسال الرسول التبليغ إلى من أرسل إليه، فإذا لم يحصل ذلك، فقد فاتَتْ فَائدة الرسالة، والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - معصوم من ذلك كله، وإذا ثَبَتَ هذا وجب أن يكون المرادُ بقوله تعالى: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ} شيئًا آخرَ سوى ما ذكره المفسرون، وللعلماء في ذلك أجوبةٌ:
أحدُها: قال ابن الأنباري: قد علمَ الله سبحانه وتعالى أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يترك شيئًا مِما يوحى إليه إشفاقًا من مَوْجِدَةِ أحد، وغَضَبِه، ولكنَّ اللَّهَ تعالَى أكَّدَ على رسوله - صلى الله عليه وسلم - متابَعَة الإبلاغ من الله سبحانه وتعالى كما قال: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ...} الآية.
الثاني: أنَّ هذا من حثه سبحانه وتعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - وتحريضه على أداءِ ما أنزله إليه، والله سبحانه وتعالى مِن وراء ذلك في عِصْمتِهِ مما يخافه ويَخْشاه.
الثالث: أنَّ الكفار كانوا يستهزئون بالقرآن، ويَضْحَكُون منه، ويتهاوَنون به، وكانَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يضيق صَدْرُهُ لذلك، وأن يُلْقِي إليهم ما لا يقبلونه، ويستهزئونَ به، فأمَرَهُ الله سبحانَه يتبليغ ما أوحِي إليه، وأن لا يَلْتَفِتَ إلى