[12]

الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} ووصفُ الأجر بالكبير لِمَا حَواهُ من نعيم سَرْمديٍّ وأمْن من العذاب، ورضىً من الله عز وجل، ونظَرٍ إلى وجهه الكريم {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ}، واختيارُهُ على العظيم لرعاية الفواصل كما ذكره الكرخي،

12 - ثم سلَّى اللَّهُ سبحانه وتعالى رسولَه - صلى الله عليه وسلم - فقال: {فَلَعَلَّكَ} يا محمَّد {تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ}؛ أي؛ فلعلك يا محمدٌ تاركٌ تبليغَ بعض ما يوحي إليك ربُّك، أنْ تبلغه إلى مَنْ أمَرَكَ أن تبلِّغ ذلك إليه، {و} لعلَّك {ضائق به صدرك}؛ أي: ولعلك (?) يضِيق صَدْرُك بما يوحى إليك، فلا تبلغه إيَّاهم، وذلك أنَّ كفَّارَ مكةَ قالوا: إئت بقرآنٍ غير هذا، ليس فيه سَبُّ آلهتنا، فهَمَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أن يَترُكَ ذِكْر آلهتهم ظاهرًا، فأنزل الله عز وجل، {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ} يعني مِنْ ذكر آلهتهم، هذا ما ذكره المفسرون في معنى الآية، قيل (?): وهذا الكلام خارجٌ مَخْرَجَ الاستفهام، فلعلَّ هنا للاستفهام الإنكاري، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لَعَلَّنا أعْجلنَاك"؛ أي: هل أنت تاركٌ، وقيل: هو في معنى النفي مع الاستبعاد؛ أي: لا يكونُ منك ذلك بل تبلغهم جميعَ ما أنزلَ اللَّهُ عليك أحَبُّوا ذَلِك أم كرهوه، شاؤوا أم أَبَوا.

والمعنى على الاستفهام: أي أفتاركٌ (?) أنت أيها الرسول بعضَ ما يوحى إليكَ مما يشُقُّ سماعه على المشركين من الأمر بالتوحيد، والنهي عن الشرك، والإنذارِ والوعيد لهم، والنَّعْيِ على معبوداتِهم وتَسْفِيهِ أحلامهم، وضائقٌ به صَدْرُك أن تبلغَهم إياه، كما أُنزل ذاك أنهم كانوا يَتَهَاوَنُون به، فيَضِيقُ صَدْرُه أنْ يلقي إليهم ما لا يَقْبَلُون، وما يضحكون منه، فاستحثه سبحانه على أداء الرسالة، وعدم المبالاة باستهزائهم، وطرح مقالاتهم الساخرة وراءَه ظهريًّا.

والخلاصة: تحمل أخف الضرَرَيْنِ، وهو تحمل سَفَاهَتِهم على ترك بعض الوحي، والوقوع في الخيانة فيه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015