[11]

النعماء بالإذاقة، فإنَ كِلَيْهِمَا لأدنى ما يُطْلَقُ عليه اسمُ الملاقاة، وقرأ الجمهور: {لَفَرِحٌ} بكسرِ الراء، وهو قياسُ اسم الفاعل من فعل اللازم، وقرأتْ فرقةٌ: {لَفَرُحَ} بضم الراء وهي كما تقول: دنس وطمس ذكره أبو حيان.

وحاصل المعنى: ولئن (?) كشفنا عنه الضراء التي أصابَتهُ، وحَلَّ محلَّها نعماءُ كشِفاءٍ من مرض، وزيادة قوة، وخروج من عسر إلى يُسْرٍ ونَجَاةٍ من خوف، وذلٍّ إنه ليقولن ذَهَبَ ما كان يَسُوءُني من المصائب والضراء، ولن يعودَ، وما هي إلا سحابة صيف قد تقشَّعَتْ، وعليَّ أنْ أنسَاها وأتمتَّعَ بتلك اللذَّاتِ، وإنه حينئذ لشديدُ الفرح بما يهيِّجُهُ البَطَرُ بتلك النعمة، وإنَّه ليُغالِي في الفَخْرِ والتَّعَالِي على الناس، والاحتقارِ لِمَنْ دُونَهُ فِيهَا.

والخلاصة: أنَّا إذا مَنَحْنَا هذا الإنسانَ اليؤوسَ الكَفورَ، نَعْماءَ أذقْنَاه لَذَّتَها، بَعدَ ضرَّاء مسَّتْه باقترافه أسبابَها, لم يُقابِلْهَا بشكر الله عليها، بل يَبْطَرُ ويفخَرُ على الناس، ولا يقومُ بما يَجِبُ عليه من مُواساة البائِسينَ، الفقراءِ، وعملِ الخير لبني آدَمَ كفاء ما هو متمتع به من تلك النِّعَمِ،

11 - ثمَّ استثنى سبحانه من جنس الإنسان فيما ذَكر من حالتَيْه السَّالِفَتَيْنِ قَبْلُ الصابرينَ الذينَ يعملون الصالحاتِ فقال: {إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا} على ما أصابهم من الضراء إيمانًا بالله، واحتسابًا للأَجْرِ عنده {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} حينما يكشِفُها ويبدِّلُ النعماءَ بِهَا، ويشكرهُ باستعمالها فيما يرضيه من عمل البر، والخير لعباده {أُولَئِكَ} الموصوفون بما ذُكِر {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ} من ربهم تَمْحُو ما عَلِقَ بأنفسهم من ذَنْبٍ أو تقصير {وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}؛ أي: ثوابٌ جسيمٌ في الآخرة على ما وفِّقوا لعمله من برّ، وخير كثير.

والخلاصةُ (?): أنَّ الإنسانَ وإن كانَ مؤمنًا حقَّ الإيمان, لا يسلم من ضيق صَدْر حينَ حُلُول الضراءِ والمصائب، وذلك مِمَّا ينافي كمالَ الرضا كما لا يسلم حين النعماء من شيءٍ من الزُّهْوِ والتقصيرِ في الشكر، فيُغْفَرُ له كلٌّ منهما بصبره وشكره، وإنابته إلى ربه، وقد جاءَ بمعنى الآية قولُه تعالى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015