[54]

وجملة قوله: {وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} معطوفة على قوله: {بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً} داخلة معها في التعليل؛ أي: ذلك بسبب أنَّ الله لم يك مغيرًا ... إلخ، بسبب {أَنَّ الله} سبحانه وتعالى {سَمِيعٌ} لما يقوله مكذبوا الرسل {عَلِيمٌ} بما يأتون وما يذرون، وهو مجازيهم على ما يقولون وما يعملون، إن خيرًا فخير، وإن شرًّا فشر، وقرىء (?) بكسر الهمزة على الاستئناف.

وفي الآية (?) إيماءٌ إلى أنَّ نعم الله تعالى على الأمم والأفراد منوطة ابتداء ودوامًا بأخلاق وصفات وأعمال تقتضيها، فما دامت هذه الشؤون ثابتةً لهم متمكنةً منهم .. كانت تلك النعم ثابتةً لهم، والله لا ينتزعها منهم بغير ظلم منهم ولا جرم، فإذا هم غيروا ما بأنفسهم من تلك العقائد والأخلاق وما يلزم ذلك من محاسن الأعمال .. غيَّر الله حالهم وسلب نعمتهم منهم، فصار الغنيُّ فقيرًا، والعزيز ذليلًا، والقويُّ ضعيفًا.

وليست (?) سعادة الأمم وقوتها وغلبتها منوطةً بسعة الثروة، ولا كثرة العدد، كما كان يظن بعض المشركين، وحكاه الله عنهم بقوله: {وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35)}.

وكذلك لا يحابي الله تعالى بعض الشعوب والأمم بنسبها وفضل بعض أجدادها على غيرهم بنبوةٍ، أو بما دونها، فيؤتيهم الملك والسيادة لأجل الأنبياء الذين ينسبون إليهم، كما كان هو شأن بني إسرائيل في غرورهم وتفضيل أنفسهم على جميع الشعوب بنسبهم، وهكذا شأن النصارى والمسلمين من بعدهم إذا تبعوا سنتهم واغتروا بدينهم، وإن كانوا من أشد المخالفين له.

54 - {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ} خبرٌ لمحذوف كما مرَّ نظيره، تقديره: دأب هؤلاء المشركين من أهل مكة في الكفر والتكذيب والتعذيب {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ}؛ أي: كعادة قوم فرعون {و} عادة {وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}؛ أي: من قبل قوم فرعون، من قوم نوح وهود

طور بواسطة نورين ميديا © 2015