وصالح ولوط؛ أي: هؤلاء المشركون غيروا ما بأنفسهم تغييرًا كتغيير الأمم الماضية، فهم {كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ}؛ أي: كذب آل فرعون ومن قبلهم بأنه تعالى ربَّاهم وأنعم عليهم، فأنكروا دلائل التربية والإحسان مع كثرتها وتواليها عليهم، كما كذب أهل مكة ذلك {فَأَهْلَكْنَاهُمْ}؛ أي: أهلكنا الذين من قبل قوم فرعون {بـ} سبب {ذنوبهم} ومعاصيهم من الكفر والتكذيب بآيات الله تعالى، أهلكنا بعضهم بالرجفة، وبعضهم بالخسف، وبعضهم بالحجارة، وبعضهم بالريح، وبعضهم بالمسخ، {وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ}؛ أي: قومه في البحر، بانطباقه عليهم بعدما خرج ونجا منه بنو إسرائيل مع موسى، فكذلك أهلكنا كفار قريش بالسيف في بدر، حين غيَّروا ما بأنفسهم. {وَكُلٌّ}؛ أي: وكل من الأمم المكذبة، من الأولين والآخرين {كَانُوا ظَالِمِينَ} لأنفسهم بالكفر والمعصية، ولأنبيائهم بالتكذيب، ولسائر الناس بالإيذاء والإيحاش، فالله تعالى إنَّما أهلكهم بسبب ظلمهم، اللهم أهلك الكفرة والمشركين، وطهِّر الأرض من الفجرة والفاسقين، فإنك أنت القهار الجبار، القادر المنتقم يا خير المنتقمين.
فإن قلت (?): ما الفائدة في تكرير هذه الآيات مرة ثانية؟
قلتُ: فيها فوائد:
منها: أنَّ الكلام الثاني يجري مجرى التفصيل للكلام الأول؛ لأنَّ الآية الأولى فيها ذكر أخذهم، وفي الآية الثانية ذكر إغراقهم، فهذه تفسير للأولى.
الفائدة الثانية: أنَّه ذكر في الآية الأولى أنَّهم كفروا بآيات ربهم، وفي الآية الثانية أنَّهم كذَّبوا بآيات ربهم، ففي الآية الأولى إشارة إلى أنَّهم أنكروا آيات الله وجحدوها، وفي الآية الثانية إشارة إلى أنهم كذبوا بها مع جحودهم لها وكفرهم بها.
الفائدة الثالثة: أنَّ تكرار هذه القصة للتأكيد. وفي قوله: {كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ} زيادة دلالةٍ على كفران النعم وجحود الحق، وفي ذكر الإغراق بيان للأخذ