كثير: أي: حتى تأتينا الملائكة من الله بالرسالة كما تأتي إلى الرسل، بمعنى قوله تعالى: {وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا ...} الآية.
وخلاصة ذلك: أنهم لا يؤمنون بالرسالة إلا إذا صاروا رسلا يوحى إليهم، وقد رد عليهم جهالتهم وبين لهم خطأهم بقوله: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ}؛ أي: هو أعلم حيث يضع رسالته ومن يصلح لها من خلقه، وهذا كقوله حكاية عنهم: {وَقالُوا لَوْلا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ...} الآية، يريدون لولا نزل هذا القرآن على رجل عظيم مبجل في أعينهم من القريتين مكة والطائف، ذلك أنهم جازاهم الله تعالى بما يستحقون، كانوا يزدرون الرسول صلى الله عليه وسلم بغيا وحسدا وعنادا واستكبارا كما قال تعالى: {وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ هُمْ كافِرُونَ (36)} وهم مع ذلك كانوا يعترفون بشرفه ونسبه، وطهارة بيته ومرباه ومنشئه، وكانوا يسمونه بالأمين، فكان ينبغي أن يكون في ذلك مقنع لهم بأنه أولى من أولئك الأكابر الحاسدين له بالرسالة وبكل ما فيه الكرامة، ولكن الحسد والبغي والتقليد كل أولئك كان الباعث لهم على تلك الأقوال، وعمل هاتيك الأفعال في عداوته ومعاندته.
والخلاصة: أن الرسالة فضل من الله يمنحه من يشاء من خلقه لا يناله أحد بكسب، ولا يصل إليه بسبب ولا نسب، ولا يعطيه إلا من كان أهلا له لسلامة الفطرة وطهارة القلب وحب الخير والحق، وقد اختار أن يجعل الرسالة في محمد صفيه وحبيبه، فدعوا طلب ما ليس من شأنكم. وقرأ حفص وابن كثير: رِسالَتَهُ بالإفراد، والباقون على الجمع.
فائدة: ويستجاب (?) الدعاء بين هاتين الجلالتين وهذا دعاء عظيم يدعى به بينهما ووجد بخط بعض الفضلاء؛ وهو «اللهم من الذي دعاك فلم تجبه، ومن الذي استجارك فلم تجره، ومن الذي سألك فلم تعطه، ومن الذي استعان بك فلم