الامتناع من أكله؟ وهو استفهام يتضمن الإنكار على من امتنع من ذلك؛ أي: لا شيء يمنعكم من ذلك، وهذا تأكيد في إباحة ما ذبح على اسم الله دون غيره؛ أي: ما المانع لكم من أكل ما سميتم عليه بعد أن أذن الله لكم بذلك؟ {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ}؛ أي: والحال أنه سبحانه وتعالى قد بين لكم ما حرم عليكم بقوله سبحانه وتعالى في هذه السورة فيما سيأتي: {قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} ومعنى {أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ}؛ أي: ذكر عليه اسم غيره عند ذبحه كالأصنام والأنبياء الذين وضعت التماثيل ذكرى لهم. فهذا وإن كان متأخرا في التلاوة، فلا يمتنع أن يكون هو المراد؛ لأن التأخر في هذا قليل، وأيضا التأخر في التلاوة لا يوجب التأخر في النزول.

أو بين لكم بقوله تعالى في أول سورة المائدة: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} الآية؛ لأن الله تعالى علم أن سورة المائدة متقدمة على سورة الأنعام في الترتيب لا في النزول. {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ}؛ أي: إلا ما دعتكم الضرورة والمشقة وأحوجتكم إلى أكله بسبب شدة المجاعة مما حرم عليكم عند الاختيار؛ فهو حلال لكم لأجل الضرورة بأن لم يوجد من الطعام عند شدة الجوع إلا المحرم، فحينئذ يزول التحريم، والقاعدة الشرعية: (الضرورات تبيح المحظورات)، والقاعدة الأخرى: (الضرورة تقدر بقدرها) فيباح للمضطر ما تزول به الضرورة، ويتقي به الهلاك لا أكثر منه.

وقرأ العربيان (?) - أبو عمرو وابن عامر - وابن كثير: ببناء {فصل} و {حرم} للمفعول مع التشديد. وقرأ نافع وحفص عن عاصم ببنائهما للفاعل، وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم ببناء الفعل الأول للفاعل، وبناء الثاني للمفعول، وقرأ عطية العوفي: {فصل} - بالتخفيف مع البناء للفاعل -؛ أي: أبان وأظهر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015