{وَهُوَ} سبحانه وتعالى {أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} السالكين صراطه المستقيم، ففوض أمرهم إلى خالقهم، فهو العليم بالضال والمهتدي، ويجازي كلا بما يليق بعمله.
وقرأ الحسن وأحمد بن أبي شريح: {يضل} - بضم الياء - وفاعل {يضل} ضمير {مَنْ}، ومفعوله محذوف؛ أي: من يضل الناس، أو ضمير الله على معنى يجده ضالا، أو يخلق فيه الضلال، وهذه الجملة خبرية تتضمن الوعيد والوعد؛ لأن كونه تعالى عالما بالضال والمهتدي كناية عن مجازاتهما. ذكره أبو حيان في «البحر».
118 - وبعد أن أبان لرسوله صلى الله عليه وسلم أن أكثر أهل الأرض يضلون من أطاعهم؛ لأنهم ضالون خراصون، وأنه تعالى هو العليم بالضالين والمهتدين .. أمر رسوله وأتباعه بمخالفة أولئك الضالين من قومهم، ومن غيرهم في مسألة الذبائح وترك جميع الآصار والآثام، فقال: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} وهذا كلام متفرع من النهي عن اتباع المضلين، وذلك أنهم كانوا يقولون للمسلمين: إنكم تزعمون أنكم تعبدون الله، فما قتله الله أحق أن تأكلوه مما قتلتموه أنتم، فقال الله للمسلمين:
{فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}؛ أي: إذا كان حال أكثر هؤلاء الناس ما بينته لكم من الضلال، فكلوا مما ذكر اسم الله عليه من الذبائح، وهو المذكى ببسم الله خاصة، دون غيره مما ذكر عليه اسم غيره فقط، أو مع اسمه تعالى، أو مات حتف أنفه {إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ} التي جاءتكم بالهدى والعلم {مُؤْمِنِينَ} وبما يخالفها من الضلال والشرك مكذبين.
فصل
وقد كان مشركوا العرب وغيرهم من أرباب الملل يجعلون الذبائح من أمور العبادات، ويقرنونها بأصول الدين والاعتقادات، فيتعبدون بذبح الذبائح لآلهتهم ومن قدسوا من رجال دينهم، ويهلون لهم عند ذبحها، وهذا شرك بالله؛ لأنه عبادة يقصد بها غيره تعالى سواء سموه إلها أو معبودا، أو لم يسموه.
119 - {وَما لَكُمْ}؛ أي: وأي سبب حاصل لكم أيها المؤمنين في: {أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} عند الذبح وأن تأكلوا من غيره؛ أي: وأي غرض لكم في