[117]

الكفار من الناس فيما يعتقدونه من إحقاق الباطل، وإبطال الحق. قيل: والمراد بأكثر أهل الأرض رؤساء مكة، والمراد بالأرض خصوص مكة. {يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}؛ أي: يصرفوك عن الطريق الموصول إلى الله؛ أي: وإن تطع أحدا من الكفار بمخالفة ما شرعه الله وأودعه في كلماته المنزلة عليك يضلوك عن الدين الحق، وعن نهج الصواب، فلا تتبع أنت ومن اتبعك حكما غير الذي أنزل إليك من الكتاب مفصلا، فهو الهداية التامة الكاملة، فادع إليه الناس كافة، ثم أكد ما سبق بقوله: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ}؛ أي: ما يتبع كفار أهل الأرض في إثبات مذهبهم، وتأسيس عقائدهم كتحليل الميتة وتحريم السائبة {إِلَّا الظَّنَّ}؛ أي: إلا ظن أن آباءهم كانوا على الحق، فهم على آثارهم مقتدون {وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ}؛ أي: وما هم إلا يكذبون، وهذا تأكيد لما قبله، فإن رؤساء أهل مكة منهم أبو الأحوص مالك بن عوف الجشمي، وبديل بن ورقاء الخزاعي، وجليس بن ورقاء الخزاعي قالوا للمؤمنين: إن ما ذبح الله خير مما تذبحون أنتم بسكاكينكم؛ أي: أن هؤلاء لا يتبعون في عقائدهم وأعمالهم إلا الظن الظن الذي ترجحه لهم أهواؤهم وما هم إلا يخرصون في ترجيح بعض منها على بعض كما يخرص أرباب النخيل والكروم ثمرات نخيلهم وأعنابهم، ويقدرون ما تجود به من التمر والزبيب تخمينا وحدسا دون تحقيق لذلك، ولا برهان لهم على ما يقولون، فهم يكذبون على الله فيما ينسبون إليه من اتخاذ الولد، وجعل عبادة الأوثان ذريعة إليه، وتحليل الميتة وتحريم البحائر ونحو ذلك، وتاريخ تلك العصور يؤيد الحكم القطعي الذي في الآية من ضلال أكثر أهل الأرض، واتباعهم للخرص والظن، فأهل الكتاب من اليهود والنصارى قد تركوا هداية أنبيائهم، وضلوا ضلالا بعيدا، وكذلك الأمم الوثنية التي كانت أبعد عهدا عن هداية الرسل والأنبياء.

117 - وهذا من علم الغيب الذي أوتيه هذا النبي الأمي، وهو لم يكن يعلم من أحوال الأمم إلا النزر اليسير من شؤون الأمم المجاورة لبلاد العرب، ثم أعقبه تأكيدا آخر زيادة في التحذير فقال: {إِنَّ رَبَّكَ} الذي رباك يا محمد، وعلمك بما أنزله إليك، وبين لك ما لم تكن تعلم من الحق ومن شؤون الخلق {هُوَ أَعْلَمُ} منك ومن سائر عباده {مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ}؛ أي: بمن يضل عن سبيله القويم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015