أن يبصر من غيرهما من سائر أعضائه. انتهى. فاعلم أن خلقًا من خلقه لا يدرك المخلوقون كنهه، ولا يحيطون بعلمه، فكيف به تعالى والأبصار لا تحيط به، وهو اللطيف الخبير.
{وَهُوَ} سبحانه وتعالى {اللَّطِيفُ}؛ أي: الخفي عن إدراك الأبصار له من اللطف بمعنى خفاء الإدراك، فيكون راجعًا لقوله: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ}؛ أي: فيلطف عن أن تدركه الأبصار بحيث تخسأ الأبصار دون إدراك حقيقته. {الْخَبِيرُ}؛ أي: العالم بدقائق الأشياء ولطائفها، فلا يعزب عن إدراكه شيء، فيكون راجعًا لقوله: {وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ}.
والخلاصة: أنه يلطف عن أن تدركه الأبصار، ولكنه خبير بكل لطيف، وهو يدرك الأبصار، ولا تدركه الأبصار.
104 - {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ} هذا الكلام وارد على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقوله آخره: {وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ}؛ أي: قد جاءكم وأتاكم أيها الناس في هذه الآيات البينات بصائر كائنات من ربكم وخالقكم؛ أي: قد جاءتكم الحجج الكونية والبراهين العقلية في هذا القرآن، تثبت لكم عقائد الحق اليقينية التي عليها مدار سعادتكم في دنياكم وآخرتكم، تفضل بها عليكم ربكم الذي خلقكم وسواكم، وربى أجسادكم، وأكمل مشاعركم، وقواكم، كما ربى أرواحكم وهذب نفوسكم، ومحص بها عقولكم حتى تصل إلى منتهى ما تسموا إليه النفوس البشرية من الكمال. والمراد بالبصائر هنا: الآيات الواردة في هذه السورة، أو القرآن بجملته، فلما كانت هذه الآيات والحجج والبراهين أسبابًا لحصول البصائر .. سميت بصائر. {فَمَنْ أَبْصَرَ}؛ أي: فمن عرف تلك الآيات وأبصر بها الحق وآمن وعمل صالحًا، ثم اهتدى {فَلِنَفْسِهِ}؛ أي: فلنفسه أبصر واهتدى، وقدم الخير، وبلغ السعادة؛ أي: فمنفعة إبصاره لنفسه؛ لأنه ينجو بهذا الإبصار من عذاب النار. {وَمَنْ عَمِيَ} عن تلك البصائر وكفر بها، وضل عن الحق وأعرض عن سبيله، وأصر على ضلاله تقليدًا لآبائه وأجداده {فَعَلَيْهَا}؛ أي: فعلى نفسه عمي وجنى وأضر بها؛ أي: فمضرة ضلاله وكفره على نفسه، وكان وبال ذلك