[105]

العمى عليه؛ لأن الله تعالى غنى عن خلقه. ونحو الآية قوله: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا}، وقوله: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}، وقوله: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا}.

{وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ}؛ أي: وما أنا عليكم برقيب أحصي عليكم أعمالكم وأفعالكم، وإنما أنا رسول أبلغكم من أرسلت به إليكم، والله هو الحفيظ عليكم، ولا يخفى عليه شيء ما أعمالكم، فهو يعلم ما تسرون وما تعلنون، ويجزيكم عليه بما تستحقون، فعليه وحده الحساب، وما علي إلا البلاغ. وقيل: معناه: لا أقدر أن أدفع عنكم ما يريده الله بكم. وقيل: معناه: لست آخذكم بالإيمان أخذ الحفيظ الوكيل، وهذا كان قبل الأمر بقتال المشركين، فعلى هذا القول تكون الآية منسوخة بآية السيف، وعلى القولين الأولين ليست منسوخة، والله أعلم بمراده.

105 - {وَكَذَلِكَ}؛ أي: ومثل تصريفنا الآيات في غير هذه السورة {نُصَرِّفُ الْآيَاتِ} في هذه السورة؛ أي: ونبين دلائل قدرتنا ووحدانيتنا من الآيات التكوينية والبراهين العقلية في هذه السورة تبيينًا مثل تبييننا إياها في غير هذه السورة. وقوله: {وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ} معطوف على محذوف تقديره: وكذلك نصرف الآيات ونبينها ليهتدي بها المستعدون للإيمان على اختلاف العقول والأفهام، وليقول الجاحدون المعاندون من المشركين في عاقبة أمرهم قد درست هذا القرآن من قبل، وتعلمت من أهل الكتاب، وليس هذا بوحي منزل كما زعمت، وقد قالوا هذا إفكًا وزورًا، فزعموا أنه تعلَّم من غلام رومي كان يصنع السيوف بمكة، وكان يختلف إليه كثيرًا، وذلك ما عناه سبحانه وتعالى بقوله: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ}. وقال ابن الأنباري: معنى الآية: وكذلك نصرف الآيات لنلزمهم الحجة، وليقولوا درست، وإنما صرف الآيات ليسعد قوم بفهمها والعمل بها، ويشقى قوم آخرون بالإعراض عنها، فمن عمل بها .. سعد، ومن قال: درست .. شقي، ذكره ابن الجوزي في "زاد المسير". واللام في قوله: {وَلِيَقُولُوا} لام العاقبة، وضابطها هي التي تدخل على شيء ليس مقصودًا من أصل الفعل، ولا حاملًا عليه، وفي قوله:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015