إحداهما: دنيوية، وثانيتهما: دينية، وقد أشار إليهما بقوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ} ويقصد {أَن يُوقِعَ} ويوجد {بَيْنَكُمُ} أيها المؤمنون {الْعَدَاوَةَ} والإيذاء {وَالْبَغْضَاءَ}؛ أي: الشحناء {فِي الْخَمْرِ}؛ أي: بسبب تزيين شرب الخمر لكم إذا صرتم نشاوى، كما فعل الأنصاري الذي شج رأس سعد بن أبي وقاص بلحى الجمل؛ لأنها تزيل عقل شاربها، فيتكلم بالفحش، وربما أفضى ذلك إلى المقاتلة، وذلك سبب إيقاع العداوة والبغضاء بين شاربيها {و} بسبب تزيين {الميسر} واللعب بالقمار لكم إذا ذهب ما لكم. وقال (?) قتادة: كان الرجل في الجاهلية يقامر على أهله وماله، فيُقمَر - يغلب - فيقعد حزينًا سليبًا ينظر إلى ماله في يد غيره، فيورثه ذلك العداوة والبغضاء، فنهى عن ذلك، فظهر بذلك أن الخمر والميسر سببان عظيمان في إيقاع العداوة والبغضاء بين الناس، وهذا فيما يتعلق بأمر الدنيا، وفيهما مفاسد تتعلق بأمر الدين، وهي ما ذكرها الله تعالى بقوله: {و} يريد أن {يصدكم} ويمنعكم ويصرفكم {عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} وطاعته {وَعَنِ الصَّلَاةِ} أفردها بالذكر مع دخولها في ذكر الله تعظيمًا لها، وإظهارًا لشرفها؛ لأن شرب الخمر يورث اللذة الجسمانية، والنفس إذا استغرقت فيها .. غفلت عن ذكر الله وعن الصلاة، ولأن الشخص إذا كان غالبًا في القمار .. صار استغراقه في لذة الغلبة مانعًا من أن يخطر بباله شيء سواه.

فإن قلتَ (?): لِمَ جمع الخمر والميسر مع الأنصاب والأزلام في الآية الأولى، ثم أفرد الخمر والميسر في هذه الآية؟

قلتُ: لأن الخطاب مع المؤمنين بدليل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا}، والمقصود نهيهم عن شرب الخمر واللعب بالقمار، وإنما ضم الأنصاب والأزلام إلى الخمر والميسر في الآية الأولى؛ لتأكيد تحريم الخمر والميسر، فلما كان المقصود من الآية النهي عن شرب الخمر والميسر لا جرم .. أفردهما بالذكر في الآية الثانية، والله أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015