والمعنى: أن (?) الشيطان يريد لكم شرب الخمر ومياسرتكم بالقداح ليعادي بعضكم بعضًا، ويبغض بعضكم إلى بعض عند الشراب والمياسرة، فيشتت أمركم بعد تأليف الله بينكم بالإيمان، وجمعه بينكم بأخوة الإسلام، ويصرفكم بالسكر والاشتغال بالميسر عن ذكر الله الذي به صلاح دنياكم وآخرتكم، وعن الصلاة التي فرضها عليكم تزكية لنفوسكم وتطهيرًا لقلوبكم.
أما كون الخمر سببًا لوقوع العداوة والبغضاء بين الناس حتى الأصدقاء منهم: فلأن شارب الخمر يسكر، فيفقد العقل الذي يمنع من الأقوال والأعمال القبيحة التي تسوء الناس، كما يستولي عليه حب الفخر الكاذب، ويسرع إليه الغضب بالباطل، فكثيرًا ما يجتمع الشَرَبَة على مائدة الشراب، فيثير السكر كثيرًا من ألوان البغضاء بينهم، وقد ينشأ القتل والضرب، والسلب والفسق والفجور، وإفشاء الأسرار، وهتك الأستار، وخيانة الحكومات والأوطان.
وأما الميسر: فهو مثار العداوة والبغضاء بين المتقامرين، فإن تعداهم فإلى الشامتين والعائبين، ومن تضيع عليهم حقوقهم من الدائنين وغير الدائنين، وكثيرًا ما يفرط المقامر في حقوق الوالدين والزوج والأولاد حتى يوشك أن يمقته كل أحد، والميسر مع ما فيه من التوسعة على المحتاجين فيه إجحاف بأرباب الأموال؛ لأن من صار مغلوبًا في القمار مرة .. دعاه ذلك إلى اللجاج والتمادي فيه رجاء أن يغلب فيه مرة أخرى، وقد يتفق أن لا يحصل له ذلك إلى أن لا يبقى له شيء من المال، ولا شك أنه بعد ذلك سيصير فقيرًا مسكينًا، ويصير من أعدى الأعداء لأولئك الذين كانوا له غالبين.
وأما صدُّ الخمر والميسر عن ذكر الله وعن الصلاة، وهو مفسدتهما الدينية: فذلك أظهر من كونهما مثارًا للعداوة والبغضاء، وهما مفسدتهما الاجتماعية؛ لأن كل سكرة من سكرات الخمر، وكل مرة من لعب القمار، تصد السكران واللاعب وتصرفه عن ذكر الله تعالى الذي هو روح الدين، وعن الصلاة التي هي عماد