المستقبل؛ أي: ولكن يؤاخذكم بأيمانكم المعقدّة الموثقة بالقصد والنية إذا حنثتم فيها، وأما اليمين الغموس: فهي يمين مكر وخديعة وكذب، قد باء الحالف بإثمها, وليست بمعقودة، ولا كفارة فيها كما ذهب إليه الجمهور. وقال الشافعي: هي يمين معقودة؛ لأنها مكتسبة بالقلب، معقودة بخبر، مقرونة باسم الله. والراجح: الأول، وجميع الأحاديث الواردة في تكفير اليمين متوجهة إلى المعقودة، ولا يدل شيء منها على الغموس، بل ما ورد في الغموس إلا الوعيد والترهيب، وأنها من الكبائر، بل في أكبر الكبائر، وفيها نزل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} الآية، واليمين المنعقدة؛ إما بالله أو بأسمائه أو بصفاته.
وقرأ (?) نافع وابن كثير وأبو عمرو وحفص عن عاصم بتشديد القاف، قال أبو عمرو: معناها: وكدتم. وقرأ الكسائي وحمزة وأبو بكر عن عاصم بتخفيفها، قال ابن جرير: معناها: أوجبتموها على أنفسكم. وقرأ ابن ذكوان عن ابن عامر بألف بين العين والقاف. وقرأ الأعمش: {بما عقدت الأيمان} جعل الفعل للأيمان، فالتشديد؛ إما للتكثير بالنسبة إلى الجمع، وإما لكونه بمعنى المجرد نحو: قدَر وقدَّر، والتخفيف هو الأصل، وبالألف بمعنى المجرد نحو: جاوزت الشيء وجزته وقاطعته وقطعته؛ أي: هجرته. وعبارة أبو البقاء هنا: قوله: {عقدتم} يقرأ بتخفيف القاف، وهو الأصل، وعقد اليمين هو قصد الالتزام بها. ويقرأ بتشديدها، وذلك لتوكيد اليمين كقوله: واللهِ الذي لا إله إلا هو، ونحوه. وقيل: التشديد يدل على تأكيد العزم بالالتزام بها. وقيل: إنما شدد لكثرة الحالفين وكثرة الأيمان. وقيل: التشديد عوض من الألف في عاقد، ولا يجوز أن يكون التشديد لتكرير اليمين؛ لأن الكفارة تجب وإن لم تكرر. ويقرأ: {عاقد} بالألف وهي بمعنى: عقدتم، كقولك: قاطعته وقطعته من الهجران، انتهى.