جَاءَكُمُ} هذا {الرَّسُولُ} الكريم محمَّد - صلى الله عليه وسلم - حالة كونه متلبسًا {بِالْحَقِّ}؛ أي: بالقرآن المنزل عليه، أو حالة كونه متكلمًا بالدعوة إلى توحيد الله وعبادته والإعراض عن غيره {مِنْ} عند {رَبِّكُمْ} وخالقكم الذي يستحق منكم العبادة {فَآمِنُوا} وصدقوا بجميع ما جاء به من عند ربكم .. يكن الإيمان به {خَيْرًا لَكُمْ} وأحمد عاقبة مما أنتم عليه من الكفر والإشراك؛ لأن الإيمان يزكيكم ويطهركم من الدنس والرجس ويؤهلكم للسعادة الأبدية. وأفعل التفضيل ليس على بابه؛ لأن الكفر ليس خيرٌ أصلًا {وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}؛ أي: وإن تستمروا على كفركم بالله وبالرسول .. فإن الله سبحانه وتعالى غني عن إيمانكم، ولا يتضرر بكفركم ولا ينتفع بإيمانكم، وقادر على جزائكم بما يقتضيه كفركم وسوء عملكم، فإن له ما في السموات وما في الأرض ملكًا وخلقًا، وكلهم عبيده ينقادون لحكمه طوعًا أو كرهًا، فعبادة الكره وعدم الاختيار تكون بالخضوع لقدرته وسننه في الأكوان، وهي عامة في جميع الخلق، سواء منهم العاقل وغيره، وعبادة الاختيار: خاصة بالمؤمنين الأخيار، والملائكة الأبرار، ومن كان كذلك فهو قادر على إنزال العذاب الشديد عليكم لو كفرتم، أو فمن كان كذلك فله عبيد يعبدونه وينقادون لأمره وحكمه، أو فمن كان كذلك لم يكن محتاجًا إلى شيء، ففي هذه الجملة وعيدٌ لهم مع إيضاح وجه البرهان، وإماطة الستر عن الدليل بما يوجب عليهم القبول والإذعان؛ لأنهم يعترفون بأن الله خالقهم {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ}.
{وَكَانَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى {عَلِيمًا} لا يخفى عليه من أعمال عباده المؤمنين والكافرين شيء {حَكِيمًا} لا يضيع عمل عامل منهم، ولا يسوي بين المؤمن والكافر والمحسن والمسيء، أي: وكان شأنهُ تعالى العلم المحيط، والحكمة البالغة الكاملة في جميع أفعاله وأحكامه، فهو لا يخفى عليه أمركم في إيمانكم وكفركم وسائر أحوالكم، ومن حكمته: أن يجازيكم على ما تجترحون من الآثام والموبقات؛ فإنه لم يخلقكم عبثًا، ولم يترككم سدى، فطوبى لمن نهى النفس عن الهوى وآثر الآخرة على الدنيا، وويل لمن أعرض عن ذكر ربِّه، وأعرض عن أمره ونهيه، وحالف الشيطان وحزبه.