[165]

السلام بالتكليم معه، ولا يلزم من تخصيص موسى بهذا التشريف الطعن في نبوة سائر الأنبياء عليهم السلام، فكذلك لا يلزم من تخصيص موسى بإنزال التوراة عليه دفعة واحدة الطعنُ فيمن أنزلَ اللهُ عليه الكتابَ مفرّقًا، وقد فضل الله نبينا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بإعطائه مثل ما أعطي كلُّ واحد منهم.

وقرأ إبراهيم بن وثاب {وَكَلَّمَ اللَّهَ} بنصب الجلالة، على أنَّ موسى هو المكلِّم.

165 - {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ}؛ أي: أرسلنا رسلًا قد قصصنا بعضهم عليك، ولم نقصص بعضًا آخر، ليكونوا مبشرين مَنْ آمن وعمل صالحًا بالثواب العظيم، وينذروا من كفر وأجرم بالعذاب الأليم، {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ}؛ أي: معذرة يعتذرون بها في ترك التوحيد والعمل الصالح {بَعْدَ} إرسال {الرُّسُلِ} إليهم، وإنزال الكتب عليهم؛ إذ لو لم يرسلهم لكان للناس أن يحتجوا ويعتذروا - إذا هم أجرموا أو كفروا - بأنهم ما فعلوا ذلك إلا لجهلهم ما يجب عليهم من الإيمان والعمل الصالح، كما قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى (134)} وقال: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}. وسمِّيت (?) المعذرة حجةً - مع أنه لم يكن لأحد من العباد على الله حجة - تنبيهًا على أنَّ هذه المعذرة مقبولةٌ لديه تفضلًا منه ورحمة، والمعنى: لئلا يحتج الناس يوم القيامة على الله في ترك التوحيد والطاعة بعدم الرسل فيقولوا: لم لم ترسل إلينا رسولًا، ولم لم تنزل إلينا كتابًا فنتبع الرسل ونجب دعوتَك؟.

والخلاصة (?): أنَّ من حكمة إرسال الرسل قطع حجة الناس واعتذارهم بالجهل، عندما يُحاسبهم الله ويقضي بعقابهم، فلولا إرسالهم لكان لهم أن يحتجوا في الآخرة على عذابهم فيها، وعلى عذاب الدنيا الذي كان قد أصابهم بظلمهم، والدين وضعٌ إلهي لا يستقل العقل بالوصول إليه، ولا يعرف إلا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015