واهتدى العلم الصحيح بعد قرون خلت إلى معرفتها، وما كان العقل وحده يكشف عنها، لولا أن هدى إليها الكتاب الكريم.

والخلاصة (?): أنَّا أوحينا إليك إيحاء مثل ما أوحينا إلى نوحٍ، ومثل ما أوحينا إلى إبراهيم ومن بعده، وآتيناك الفرقان إيتاء مثل ما أتينا داود زبورًا، وأرسلنا رسلًا قد قصصناهم عليك من قبل، ورسلًا آخرين لم نقصصهم عليك، من غير تفاوت بينك وبينهم في حقيقة الإيحاء وأصل الإرسال، فما للكفرة يسألونك شيئًا لم يعْطه أحد من هؤلاء الرسل عيهم السلام؟!

وقرأ أُبي {رسل} بالرفع في الموضعين على الابتداء، وسوغ الابتداء بالنكرة: وقوعه في معرض التفصيل، كما في قول الشاعر:

فَثَوْبٌ لَبِسْتُ وَثَوْبٌ أَجُرّ

{وَكَلَّمَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى {مُوسَى} بن عمران عليه السلام {تَكْلِيمًا}؛ أي: خاطبه مخاطبةً بلا واسطة ملك؛ أي: كلَّمه (?) تكليمًا خاصًّا له، ميزه عن غيره من ضروب الوحي العام لأولئك النبيين، وليس لنا أنْ نخوض في معرفة حقيقته؛ لأنَّا لم نكن من أهله، على أنَّا لا نعرف حقيقة كلام بعضنا بعضًا، وكيف تنقل ذرات الهواء الأصوات إلى الآذان؟ فضلًا عن أن نعرف حقيقة كلام الباري. والوحي إلى الأنبياء يُسمَّى تكليمًا، والتكليم لهم يسمى وحيًا، كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (51)}. والحكمة في الحجاب: الاستعداد بالتوجه إلى شيء واحد، تتحد فيه هموم النفس وأهواؤها المتفرقة، كما كان شأن موسى إذ رأى النار في الشجرة. والرسول الذي يرسله الله فيوحي بإذنه ما يشاء هو: ملك الوحي المعبر عنه بالروح الأمين.

والمعنى (?): أنه تعالى بعث هؤلاء الأنبياء والرسل، وخص موسى عليه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015