وقرأ حمزة {سيؤتيهم} - بالياء - عودًا على قوله: {وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}، وقرأ باقي السبعة على الالتفات، ومناسبة {وَأَعْتَدْنَا}.
163 - {إِنَّا} قد {أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ} يا محمد هذا القرآن {كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ}؛ أي: من بعد نوح، والكاف في قوله: {كَمَا أَوْحَيْنَا} نعت لمصدر محذوف؛ أي: أوحينا إليك إيحاءً مثل إيحائنا إلى نوح والنبيين من بعده، وأخرج عبد بن حميد والحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" وابن حبان في "صحيحه" عن أبي ذر قال قلت: يا رسول الله، كم الأنبياء؟ قال: "مئة ألف وأربعة وعشرون ألفًا" قلت: كم الرسل منهم؟ قال: ثلاث مئة وثلاثة عشر، جم غفير"، والمعنى: إنا قد أوحينا إليك هذا القرآن كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده ممن يؤمن بهم، والله لم يُنَزِّل على أحد منهم كتابًا من السماء كما سألوك للتعجيز والعناد؛ لأن الوحي ضرب من الإعلام السريع الخفي، وليس بالأمر المشاهد الحسي.
وقيل: هذه الآية متصلة في المعنى بقوله: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ} فهي (?) جواب لأهل الكتاب عن سؤالهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ينزل عليهم كتابًا من السماء جملةً واحدة، والمعنى: أنكم يا معشر اليهود تقرون بنبوة نوح، وبجميع المذكورين في هذه الآية، وهم اثنا عشر نبيًّا، وأن الله تعالى أوحى إلى هؤلاء الأنبياء، وأنتم يا معشر اليهود معترفون بذلك، وما أنزل الله على أحد من هؤلاء المذكورين كتابًا جملة واحدة مثل ما أنزل على موسى، فكما لم يكن عدم إنزال الكتاب جملة واحدة على أحد هؤلاء الأنبياء قادحًا في ثبوته .. فكذلك لا يكون إنزال الكتاب على محمَّد - صلى الله عليه وسلم - مفرقًا قادحًا في نبوته , بل قد أنزل عليه كما أنزل عليهم.
قال المفسرون (?): وإنما بدأ الله عَزَّ وَجَلَّ بذكر نوح عليه السلام؛ لأنه أول نبي بعث بشريعة وتكليف، وأول نذير على الشرك، وأنزل الله عليه عشر صحائف، وكان أول من عُذِّبت أمته لردهم دعوته وأهلك أهل الأرض بدعائه، وكان أبا البشر كآدم عليهما السلام، وكان أطول الأنبياء عمرًا، عاش ألف سنة،