{وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ}؛ أي: وامتدح المقيمين الصلاة الذين يُؤدّونها على وجه الكمال، فهم أجدر المؤمنين بالرسوخ في الإيصان؛ إذ إقامتها بإتمام أركانها علامة كمال إلإيمان، واطمئنان النفس به. وقوله: {وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}: مبتدأ، خبرُه محذوف، تقديره؛ أي: والمؤتون الزكاة المفروضة في مصارفها، والمؤمنون بوحدانية الله ومجيء اليوم الآخر، مع ما فيه من الحساب والجزاء، مثل المقيمين الصلاة في استحقاق المدح بالتبع؛ إذ إقامتها تستدعي إيتاء الزكاة، فإن الذي يقيمها على الوجه الذي طلبه الشرع .. لا يمنع الزكاة؛ إذ هي مما تزكي النفس، وتعلي الهمة، وتهون على النفس المال - قال تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22)} الآية.
{أُولَئِكَ}: الموصوفون بالصفات السابقة {سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا}؛ أي: سنعطيهم في الآخرة على ما كان منهم من طاعة الله واتباع أمره: ثوابًا جزيلًا لا يدرك وصفه إلا علام الغيوب، وهو الجنة. قال أبو حيان (?): وارتفع الراسخون على الابتداء، والخبر {يُؤْمِنُونَ} لا غير؛ لأن المدح لا يكون إلا بعد تمام الجملة، ومن جعل الخبر جملة قوله: {أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ} فقوله ضعيف. وانتصب {الْمُقِيمِينَ} على المدح، وارتفع {وَالْمُؤْتُونَ} هو أيضًا على إضمار (وهم) على سبيل القطع إلى الرفع، ولا يجوز أن يعطف على المرفوع قبله؛ لأن النعت إذا انقطع في شيء منه .. لم يعد ما بعده إلى إعراب المنعوت، وهذا القطع لبيان فضل الصلاة والزكاة، فأكثر الوصف؛ بأن جعل في جمل. وقرأ ابن جبير (?)، وعمرو بن عبيد، والجحدري، وعيسى بن عمر، ومالك بن دينار، وعاصم عن الأعمش، ويونس وهارون عن أبي عمرو: {وَالْمُقِيمِون} - بالرفع - نسقًا على الأول، وكذا هو في مصحف ابن مسعود، قاله الفراء، وروى أنها كذلك في مصحف أُبيٍّ، وقيل: بل هي فيه {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ}، كمصحف عثمان.