[162]

وفي ذكر هذه الآية امتنان على هذه الأمة حيث لم يعاملهم معاملة اليهود فيحرّم عليهم في الدنيا الطيبات عقوبةً لهم بذنوبهم، فهذه الأربعة هي الذنوب التي اقترفوها، والجرائم التي ارتكبوها، وشدد عليهم بسببها في الدنيا والآخرة، أما التشديد في الدنيا .. فهو ما تقدم من تحريم الطيبات عليهم، وأما التشديد عليهم في الآخرة .. فقد بين جزاءهم عليها في الآخرة، فقال: {وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ}؛ أي: وأعددنا وهيأنا للذين كفروا برسل الله، وجحدوا ما جاؤوا به، وأصروا على الكفر {مِنْهُمْ}؛ أي: من أهل الكتاب دون من آمن منهم {عَذَابًا أَلِيمًا}؛ أي: عذابًا مؤلمًا في نار جهنم خالدين فيها أبدًا.

قال المفسرون (?): إنّما قال: منهم؛ لأنَّ الله سبحانه وتعالى علم أنَّ قومًا منهم سيؤمنون، فيأمَنون من العذاب،

162 - وبعد أن بيَّن الله تعالى في هذا السياق سوء حال اليهود وكفرهم وعصيانهم، وأطلق القولَ في ذلك، وكان هذا مما يوهم أنَّه شامل لكل أفرادهم .. جاء الاستدراك عقبه ببيان حال خيارهم الذين لم يذهب عمى التقليد بنور عقولهم، فقال: {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ}؛ أي: لكن المتمكنون في علم التوراة من أهل الكتاب، كعبد الله بن سلام وأصحابه {وَالْمُؤْمِنُونَ}: منهم، ومن المهاجرين والأنصار وسائر أمتك {يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ}: يا محمَّد، وهو القرآن {وَ} يؤمنون بـ {بما أنزل من قبلك} على سائر الأنبياء من الكتب السماوية؛ أي: لكنْ أهل العلم الصحيح بالدين منهم، المستبصرون فيه، غير التابعين للظنّ، الذين لا يشترون به ثمنًا قليلًا من المال والجاه، والمؤمنون من أمتك إيمان إذعان لا إيمان عصبية وجدل .. يؤمنون بما أنزل إليك من البينات والهدى، وما أنزل على موسى وعيسى وغيرهما من الرسل، ولا يفرِّقون بين الله ورسله بهوىً ولا عصبية، روى ابن إسحاق والبيهقي في "الدلائل" عن ابن عباس: أن الآية نزلت في عبد الله بن سلام، وأسيد بن سعية، وثعلبة بن سعية، حين فارقوا يهود وأسلموا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015