[161]

هذا الظلم وفصله بعد ذكره أولًا إجمالًا؛ ليكون أوقع في النفس وأبلغ في الموعظة، فقال: {وَبِصَدِّهِمْ}؛ أي: وحرَّمنا عليهم طيبات أحلت لهم بسبب صدهم ومنعهم {عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} ودينه {كَثِيرًا}؛ أي: ناسًا كثيرًا، أو صدًّا كثيرًا، أو زمانًا كثيرًا، والأول أولى، والصد والصدود: المنع، وهو يشمل صدَّهم أنفسهم عن سبيل الله بما كانوا يعصون به موسى، ويعاندونه مرارًا، وصدهم الناس عن سبيل الله بسوء القدوة، أو بالأمر بالمنكر والنهي عن المعروف.

وإنما أعيدت الباء في قوله (?): {وَبِصَدِّهِمْ} ولم تُعَدْ في قوله: {وَأَخْذِهِمُ} وما بعده؛ لأنه قد فصَل بين المعطوف والمعطوف عليه بما ليس معمولًا للمعطوف عليه، بل بالعامل فيه، وهو {حَرَّمْنَا} وما تعلق به، فلما بعد المعطوف من المعطوف عليه بالفصل بما ليس معمولًا للمعطوف عليه .. أعيدت الباء لذلك، وأما ما بعده فلم يفصل فيه إلا بما هو معمول للمعطوف عليه، وهو الربا.

161 - {وَ} حرّمنا عليهم طيبات أحلت لهم بسبب {أَخْذِهِمُ} وأكلهم {الرِّبَا} والزيادة في المعاملات {وَ} الحال أنهم {قَدْ نُهُوا عَنْهُ}؛ أي: عن معاملة الربا مطلقًا على ألسنة أنبيائهم، والتوراةُ (?) التي بأيديهم إنما تصرحُ بتحريم أخذهم الربا من شعبهم ومن إخوتهم دون الأجانب، وهي محرَّفة، أما النسخة التي كتبها موسى .. فقد فقدت باتفاق اليهود والنصارى، وبعض أنبيائهم قد نهوا عن الربا إطلاقًا، فلم يقيدوه بشعب إسرائيل، كقول داود في "المزمور الخامس عشر من الزبور": فضته لا يعطيها بالربا, ولا يأخذ الرشوة من البريء {وَ} حرَّمنا عليهم طيبات أحلت لهم بسبب {أَكْلِهِمْ} وأخذهم {أَمْوَالَ النَّاسِ} {بِـ} الوجه {الْبَاطِلِ}؛ أي: بطريق الرشوة والخيانة وسائر الوجوه المحرمة مما أخذ فيه المال بلا مقابل يعتد به.

ونحو هذه الآية قوله تعالى: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} والسحت: الكسب الحرام، فقد كانوا يأخذون أثمان الكتب التي يكتبونها بأيديهم، ثم يقولون: هي من عند الله تعالى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015