في قتله علمٌ حقيقي، ولكنهم يتبعون فيه الظن الذي تخيلوه بسبب إلقاء الشبه عليه. {وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا}؛ أي: وما قتلوا عيسى بن مريم، وهم متيقنون أنه هو بعينه، إذ لم يكونوا يعرفونه حق المعرفة؛ إذ الجند الذي أخذوه للقتل ما كانوا يعرفون شخص عيسى معرفة يقينية، بل أخذوا الذي ألقي عليه شبهه ظنًّا منهم أنه هو المسيح.
والخلاصة: أن روايات المسلمين جميعًا متفقة على أن عيسى عليه السلام نجا من أعدائه ومريدي قتله، فقتلوا آخر ظنًّا منهم أنَّه هو.
158 - {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ}؛ أي: بل رفع الله سبحانه وتعالى عيسى بن مريم بروحه وجسده إلى موضع لا يجري فيه حكمُ غيرِ الله تعالى ولا يصل إليه حكم آدمي، وذلك الموضع هو السماء الثالثة كما في حديث "الجامع الصغير": "آدم في السماء الدنيا تعرض عليه أعمال ذريته، ويوسف في السماء الثانية، وابنا الخالة يحيى وعيسى في السماء الثالثة .. إلخ" وفي بعض كتب المعاريج أنه في السماء الثانية.
{وَكَانَ اللَّهُ} سبحانه وتعالى {عَزِيزًا} في ملكه {حَكِيمًا} في صنعه، فرَفْعُ عيسى بروحه وجسده من الأرض إلى السماء لا صعوبة فيه بالنسبة إلى قدرة الله تعالى وحكمته؛ أي: إن الله سبحانه وتعالى عزيزٌ يغلب ولا يغلب، وبهذه العزة أنقذ عبده ورسوله من اليهود الماكرين وحكام الروم الظالمين، وبحكمته جازى كل عامل بعمله، ومن ثم أحل باليهود ما أحل بهم من الذلة والمسكنة والتشريد في الأرض ويوفيهم جزاءهم يوم القيامة - {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19)}.
159 - {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ}؛ أي: وما أحد من أهل الكتاب اليهود والنصارى {إِلَّا} والله {لَيُؤْمِنَنَّ} ذلك الكتابي {بِهِ}؛ أي: بعيسى {قَبْلَ مَوْتِهِ}؛ أي: قبل موت ذلك الكتابي، قبل أن تزهق روحه، حين عاين ملائكة الموت، فلا ينفعه إيمانهُ وقتئذ؛ لانقطاع التكليف. والمعنى: وإن كان أحد من أهل الكتاب عندما يدركه الموت ينكشف له الحق في أمر عيسى وغيره من أمور الدين، فيؤمن بعيسى إيمانًا حقًّا لا زيغ فيه ولا ضلال، فاليهودي يعلم أنه رسولٌ صادقٌ في رسالته