إيمانهم بنبيهم وكتابهم فقط؛ لأنه تفريق بين الله ورسله، فالكفر ببعضهم كالكفر بجميعهم، وهم قد كفروا بعيسى ومحمد عليهما السلام، أو لا يؤمنون إلا فريقًا قليلًا منهم؛ كعبد الله بن سلام وأضرابه، وقيل: لا يؤمنون قليلًا ولا كثيرًا.
156 - {وَبِكُفْرِهِمْ}؛ أي: وطبع اللهُ على قلوبهم بكفرهم بعيسى عليه السلام؛ لإنكارهم قدرة الله تعالى على خلق الولد من دون الأب، وهو (?) معطوف على {بكفرهم}؛ لأنه من أسباب الطبع، أو معطوف على قوله: {فَبِمَا} نقضهم ويجوز أن يعطف مجموع هذا وما عطف عليه على مجموع ما قبله، ويكون تكرير ذلك الكفر إيذانًا بتكرر كفرهم، فإنهم كفروا بموسى، ثم بعيسى، ثم بمحمد - صلى الله عليه وسلم - {و} طبع الله على قلوبهم بـ {قولهم} وافترائهم {عَلَى مَرْيَمَ} بنت عمران أم عيسى عليهما السلام {بُهْتَانًا عَظِيمًا}؛ أي: كذبًا شنيعًا يبهت من يقال فيه، أي: يدهشه ويحيره، لبعده وغرابته. والمراد به هنا: رميها بالفاحشة، حيث رموها بيوسف النجار، وكان من الصالحين بعدما ظهر منها من الكرامات الدالة على براءتها من كل عيب؛ فإنها ملازمة للعبادة بأنواع الطاعات، وعيسى تكلم حال كونه طفلًا منفصلًا عن أمه، والمعنى: إن الله تعالى طبع على قلوبهم بكفرهم بعيسى وأمه ورميهم إيّاها بالكذب العظيم، وأي بهتان أعظم من البهتان الذي تُبهتُ به العذراء التقية.
157 - والخلاصة: أن هذا الكفر والبهتان من أسباب ما حل بهم من غضب الله {و} طبع عليها بـ {قَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ} وصلبناه. {رَسُولَ اللَّهِ}؛ أي: في زعم عيسى نفسه، فإن وصفهم له بوصف الرسالة استهزاء به، أو أن الله وضع الذكرَ الحسن بقوله: {رَسُولَ اللَّهِ} مكان ذكرهم القبيح في الحكاية عنهم، فإنهم قالوا: هو ساحر ابن ساحرة، أو إنَّ {رَسُولَ اللَّهِ} وصفٌ له من عند الله تعالى مدحًا له، وتنزيهًا له عن مقالتهم التي لا تليق بها. أي: وطبع على قلوبهم بسبب قولهم هذا القول المؤذِن بالجرأة على الباطل والاستهزاء بآيات الله، وذكروه بوصف الرسالة تهكمًا واستهزاء بدعوته بناء على أنه إنما ادعى النبوة