باليمين؛ أي: وأخذنا منهم عهدا مؤكدًا شديدًا بأن يعملوا بما أمرهم الله به، وأن ينتهوا عما نهاهم الله عنه.
155 - ثم إنهم نقضوا ذلك الميثاق، وهو قوله تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ} ما (?): مزيدة للتأكيد، والباء: سببية متعلقة بلعنا المحذوف، ويجوز أن تتعلق بـ {حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ} فيكون التحريم بسبب النقض، وما عطف عليه إلى قوله: {فَبِظُلْمٍ}؛ أي: لعنَّا أهلَ الكتاب وفعلنا بهم ما فعلنا من لَعْن إلى غضب إلى ضرب الذلة والمسكنة وإزالة الملك والاستقلال بسبب نقضهم للميثاق الذي واثقهم الله به، فأحلوا ما حرمه الله، وحرموا ما أحله الله {و} لعناهم بـ {كفرهم} وجحودهم {بِآيَاتِ اللَّهِ} وحججه الدالة على صدق أنبيائه {و} لعناهم بـ {قتلهم الأنبياء} الذين أرسلوا لهدايتهم بعد قيام الحجة والدلالة على صحة نبوتهم؛ كزكريا ويحيى عليهما السلام {بِغَيْرِ حَقٍّ}، أي: بغير استحقاق لذلك القتل، حتى في زعمهم {و} لعنَاهم بـ {قولهم} للنبي - صلى الله عليه وسلم -: {قُلُوبُنَا غُلْفٌ}: جمع أغلف، كحمر وأحمر، أي: مغطاة مغشاة، أي: عليها أغطية، وغشاوة، فهي لا تفقه ما تقول، ومحجوبة عليها حجاب لا يصل إليها شيء من الذكر والوعظ ولا يؤثر فيها، وقيل: جمع غلاف، أي: قلوبنا أوعية للعلم، فلا حاجة بنا إلى ما تدعونا إليه، فرد الله عليهم بقوله: {بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ} أظهر القراء لام بل في {بَلْ طَبَعَ}؛ إلا الكسائي، فأدغم من غير خلاف، وعن حمزة خلاف؛ أي: ليس الأمر كما قالوا: بل ختم الله على قلوبهم بسبب كفرهم، فغشيت وغطيت بغطاء معنوي، فلا تعي وعظًا؛ مجازاة على كفرهم، أو جعلها الله كالسكة المطبوعة - الدراهم مثلًا - في قساوتها، وجعلها بوضع خاص لا تقْبل غيرَه؛ أي: ليس ما وصفوا به قلوبهم هو الحق الواقع، بل لأن الله تعالى ختم عليها بسبب كفرهم الكسبي، وما له من الأثر القبيح في أعمالهم وأخلاقهم، فهم باستمرارهم على ذلك الكفر لا ينظرون في شيء آخر نظر استدلال واعتبار، مع أنه من الأمور التي يصل إليها اختيارهم، ولكنّهم لا يختارون إلا ما ألفوا وتعودوا {فَلَا يُؤْمِنُونَ}؛ أي: أهل الكتاب {إِلَّا} إيمانًا {قَلِيلًا} لا يعتد به، وهو