أحق أن يتبع فيهما، فحذار أن تحابوا غنيًّا طمعًا في بره، ولا خوفًا من أذاه وشره، ولا فقيرًا عطفًا عليه، وشفقةً به، فمرضاة كل منهما ليست خيرًا لكم ولا لهما من مرضاة الله، ولستم أعلم بمصلحتهما من ربهما، ولولا أنه يعلم أن العدل وإقامة الشهادة بالحق خير للشاهد والمشهود عليه .. لما شرع ذلك ولا أوجبه.
وقرأ عبد الله: {إن يكن غني أو فقير} على أن كان تامة، وفي قراءة أبي: {فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِم} فالضمير عليها عائد على الأغنياء والفقراء، فالمراد حينئذ بالغني والفقير الجنس، {فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى} والشهوات إرادة {أَنْ تَعْدِلُوا} عن الحق وتميلوا عنه، وتجوروا فيه، فهو حينئذ من العدول بمعنى الميل عن الحق، أو المعنى: فلا تتبعوا الهوى كراهة أن تعدلوا بين الناس، فهو حينئذ من العدل ضد الجور، والمعنى على الأول: فلا تتبعوا الهوى والتشهي لئلا تعدلوا عن الحق إلى الباطل إذ في الهوى الزلل، {وَإِنْ تَلْوُوا} قرأ ابن كثير ونافع وأبو بكر وأبو عمرو وعاصم والكسائي: بإسكان اللام وبعدها واوان، الأولى مضمومة والثانية ساكنة، من اللي، والمعنى على هذه القراءة: وإن تلفوا ألسنتكم عن الشهادة بالحق إلى الباطل، وتحرفوها عنه بأن شهدتم بالباطل على خلاف ما يعلم من الدعوى، {أَوْ تُعْرِضُوا} وتمتنعوا عن أداء الشهادة بالكلية، وتنكروها من أصلها، فالعطف مغاير، خلافًا لمن قال بالترادف، فالمراد من اللّيّ هنا: أداء الشهادة على غير وجهها الذي تستحق الشهادة أن تكون عليه. ومن الإعراض: أن لا يقوم بها أصلًا بوجه ما.
والحاصل: أن اللفظين يختلفان باختلاف المتعلق، وقيل: إن الليَّ مثل الإعراض في المعنى، قال تعالى: {لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ}؛ أي: أعرضوا. {فَإِنَّ اللَّهَ} سبحانه وتعالى {كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}؛ أي: فإن الله تعالى خبير بأعمالكم، لا يخفى عليه قصدكم، فهو مجازيكم بما تعملون، فيجازي المحسن المقبل بإحسانه، والمسىء المعرض بإساءته.
وعبر (?) بالخبير ولم يعبر بالعليم؛ لأن الخبرة: العلم بدقائق الأمور