يكون في الحقيقة قوامًا؛ أي: فلتجعلوا العناية بإقامة القسط على وجهه صفة ثابتة لكم، راسخةً في نفوسكم، والعدل كما يكون في الحكم بين الناس ممن يوليه السلطان، أو يحكمه الناس فيما بينهم، يكون في العمل، كالقيام بما يجب بين الزوجات والأولاد من النصفة والمساواة بينهم، ولو سار المسلمون على هدى القرآن .. لكانوا أعدل الأمم، وأقومهم بالقسط وقد كانوا كذلك ردحًا طويلًا من الدهر، حين كانوا مهتدين بهديه، ولكن قد خلف من بعدهم خلف نبذوا تلك الهداية وراء ظهورهم، وسلكوا مسالك اليهود والنصارى، فصارت تضرب بهم الأمثال في ظلم حكامهم وسوء أحوالهم، وكانوا {شُهَدَاءَ} بالحق مخلصين {لِلَّهِ} بأن تتحروا الحق الذي يرضاه ويأمر به، من غير مراعاة أحد ولا محاباته، {وَلَوْ} كانت الشهادة {عَلَى أَنْفُسِكُمْ} فاشهدوا عليها، بأن تقروا بالحق ولا تكتموه، فإن من أقر على نفسه بحق .. فقد شهد عليها، لأن الشهادة إظهار الحق {أَوِ} كانت الشهادة على {الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} لكم؛ أي: ولو كانت الشهادة على والديكم، أو على أقرب الناس إليكم كأولادكم وإخوانكم، إذ ليس من بر الوالدين ولا من صلة ذوي الرحم أن يعاونوا على ما ليس بحق لهم، بالإعراض عن الشهادة عليهم أوليها والتحريف فيها، بل البر والصلة في الحق والمعروف، والشهادة على الوالدين بأن يشهد عليهما بحق للغير، وكذلك الشهادة على الأقربين، وذكر الأبوين لوجوب برهما، وكونهما أحب الخلق إليه، ثم ذكر الأقربين؛ لأنهم مظنة المودة والتعصب. وليس من شك في أن الحياة قصاص، فالذين يتعاونون على الظلم وهضم حقوق الناس، يتعاون الناس على ظلمهم وهضم حقوقهم، فتكون المحاباة من أسباب فشو الظلم والعدوان والمفاسد التي لا يؤمن شرها، {إِنْ يَكُنْ} المشهود عليه من الوالدين والأقربين وغيرهم وهم الأجانب {غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا} وسواء كان المشهود له غنيًّا أو فقيرًا، فلا تمتنعوا من الشهادة عليهما، طلبًا لرضى الغني، أو ترحمًا على الفقير، {فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} منكم؛ أي: فإن الله سبحانه وتعالى أولى وأحق برعاية مصالحهما، وإصلاح شؤونهما منكم؛ أي: إن يكن المشهود عليه غنيًّا أو فقيرًا .. فليشهد عليه، فالله أولى وأقرب بجنس الغني والفقير منكم، وشرعه