{ذَلِكَ}؛ أي: ذاك الذي ذكرنا لكم، من إباحة نكاح الإماء عند العجز عن الحرائر جائز، {لِمَنْ خَشِيَ} وخاف {الْعَنَتَ مِنْكُمْ}؛ أي: خاف الوقوع في الزنا بسبب العزوبة وشدة الشهوة، والمعنى: ذلك لمن خاف أن تحمله شدة الغلمة وشدة الشهوة على الزنا، وإنما سمي الزنا بالعنت لما يعقبه من المشقة، وهو الحد في الدنيا والعقوبة في الآخرة، فأباح الله تعالى نكاح الأمة بثلاثة شروط: عدم القدرة على نكاح الحرة، وخوف العنت، وكون الأمة مؤمنة. {وَأَنْ تَصْبِرُوا} عن فكاح الإماء متعفِّفين، {خَيْرٌ لَكُمْ} من نكاحهن كي لا يكون الولد رقيقًا. والمعنى (?): وصبركم عن نكاح الإماء خير لكم من نكاحهن، لما في ذلك من تربية قوة الإرادة، وتنمية ملكة العفة، وتغليب العقل على عاطفة الهوى، ومن عدم تعرض الولد للرق، وخوف فساد أخلاقه، بإرثه منها المهانة والذلة؛ إذ هي بمنزلة المتاع والحيوان، فربما ورث شيئًا من إحساسها ووجدانها وعواطفها الخسيسة.

وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: إذا نكح العبد الحرة .. فقد أعتق نصفه، وإذا نكح الحر الأمة .. فقد أرق نصفه. ورحم الله القائل:

إِذَا لَمْ تَكُنْ فِيْ مَنْزِلِ الْمَرْءِ حُرَّةٌ ... تُدَبِّرُهُ ضَاعَتْ مَصَالِحُ دَارِهِ

وسر هذا: ما شرحناه من قبل، من أن معنى الزوجية حقيقة واحدة مركبة من ذكر وأنثى، وكل منهما نصفها فهما شخصان صورةً واحدةً، اعتبارًا بالإحساس والشعور والوجدان والمودة والرحمة، ومن ثم ساغ أن يطلق على كل منهما لفظ: زوج؛ لاتحاده بالآخر، وإن كان فردًا في ذاته ومستقلًا في شخصه.

{وَاللَّهُ} سبحانه وتعالى {غَفُورٌ}؛ أي: غفار لمن صدرت منه الهفوات، كاحتقار الإماء المؤمنات، والطعن فيهن عند الحديث في نكاحهن، وعدم الصبر على معاشرتهن بالمعروف، وسوء الظن بهن، {رَحِيمٌ} بعباده حيث رخص لهم فيما رخص فيه بإباحته لهم نكاح الإماء، وإن كان يؤدي إلى إرقاق الولد، مع أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015