وكانوا يشترونهن للاكتساب ببغائهن، حتى إن عبد الله بن أبيٍّ كان يكره إماءه على البغاء، بعد أن أسلمن، فنزل في ذلك: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} على أنهن لذلهن وضعفهن وكونهن مظنة للانتقال من يد إلى أخرى، لم تمرن نفوسهن على الاختصاص برجل واحد، يرى لهن عليه من الحقوق ما تطمئن به نفوسهن في الحياة الزوجية، التي هي من شؤون الفطرة.
{فَإِذَا أُحْصِنَّ} قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر بالبناء للفاعل، ومعناه: حفظن فروجهن، وقيل معناه أسلمن، كما قال عمرو بن مسعود، والشعبي والنخعي والسدي، قالوا: الإحصان هنا (?) الإِسلام، والمعنى: أن الأمة المسلمة عليها نصف حد الحرة المسلمة، وقد ضعف هذا القول، بأن الصفة لهن بالإيمان قد تقدمت في قوله من فتياتكم المؤمنات، فكيف يقال في المؤمنات فإذا أسلمن، قاله إسماعيل القاضي. وقرأ الباقون بالبناء للمفعول إلا عاصمًا فاختلف فيه ومعناه زُوِّجن. {فَإِنْ أَتَيْنَ}؛ أي: فإن فعلن {بِفَاحِشَةٍ}؛ أي: بالزنا {فَعَلَيْهِنَّ}؛ أي: فعلى الإماء اللاتي زنين {نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ}؛ أي: نصف ما على الحرائر الأبكار، إذا زنين من العقاب؛ أي: من الجلد، فيجلدن خمسين جلدة، ويجلد العبد للزنا إذا زنى خمسين جلدة، ولا فرق في المملوك بين المتزوج وغير المتزوج، فإنه يجلد خمسين مطلقًا، ولا رجم عليه، هذا قول أكثر العلماء.
والمعنى: أنّ الإماء إذا زنين بعد إحصانهن بالزواج .. فعليهن من العقاب نصف ما على المحصنات الكاملات، وهنَّ الحرائر إذا زنين، وهذا العقاب ما بينه سبحانه وتعالى بقوله: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} فتجلد الأمة المتزوجة خمسين جلدة، وتجلد الحرة مائة، ولا ترجم لأن الرجم لا يتنصف.
والحكمة في ذلك: ما قدمناه فيما سلف، وهو كون الحرة أبعد عن داعية الفاحشة، والأمة ضعيفة عن مقاومتها، فرحم الله ضعفها وخفف العقاب عنها.