هذه الثقة، وذلك الشعورُ الفطري الذي أودعَ في المرأة وجعلها تحسُّ بصلة لم تَعْهَدْ من قَبْلُ لا تَجِدُ مثلَها لدى أحد من الأهل، وبها تعتقد أنها بالزواج مقبلة على سعادة ليس وراءَها سعادة في الحياة، هذا هو المركوز في أعماق النفوس، وهذا هو الميثاق الغليظ، فما قيمة مَنْ لا يَفِي بهذا الميثاق، وما هي مَكانتُه من الإنسانية. وقد استدلوا (?) بذكر القنطار على جواز التغالي في المهور، وقد روي أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - نهى على المنبر، أن يزاد في الصداق على أربع مائة درهم، ثم نَزلَ فاعترضَتْه امرأةٌ من قريش فقالت: أما سمعْتَ الله يقول: {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} فقال: اللهم عَفْوًا كلُّ الناس أَفْقَهُ من عُمَر، ثُمَّ رَجَع فركب المنبرَ، فقال إني كنت نهيتكم أن تزيدوا في صدقاتهن على أربع مائة درهم، فَمَنْ شاء أن يعطِيَ من ماله، فله ما أحبَّ.

هذا وإن الشريعة لم تحدِّدْ مقدار الصداق، بل تركَتْ ذلك للناس لتفاوتهم في الغنى والفقر، فكل يعطي بحسب حاله، لكن جاء في السنة: الإرشاد إلى اليسْر في ذلك، وعدم التغالي فيه.

فمن ذلك ما رواه أحمد، والحاكم، والبيهقي عن عائشة إنَّ مِنْ يُمْنِ المرأة تيسيرَ خِطْبَتِهَا، وتَيسِيرَ صداقها. وإن التغالِيَ في المُهور الآن، قد صار من أسباب قلة الزواج، وقلَّةِ الزواج: تُفْضِي إلى كثرة الزنا والفساد، والغَبْنُ أخيرًا على النساء أكثَرُ، وإنّك لَتَرى هذه العادةَ متمكنة لدى بعض الناس، حتى إن وليَّ المرأة؛ ليمتنع عن تزويج بنته للكفء الذي لا يرجى من هو خيرٌ منه، إذا كان لا يعطيه ما يراه لائقًا بكرامته، ويزوجها لمن هو دونه دينًا وخُلُقًا ومن لا يَرجُو لها سعادة عنده إذا هو أعطاه الكثيرَ الذي يراه محققًا لأغراضه، وهكذا تَتَحكم التقاليد والعادات حتى تفسدَ على الناس سعادتَهم، وتقوضَ نَظْمَ بيوتهن، وهم لها منقادون بلاَ تفكير في العواقب، فيا لَها مصيبةً في دِيننا، ودُنيانا، وإنَّا للهِ وإنا إليه راجعون.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015