{وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ}؛ أي: وكيف تأخذونه، والحاصل: أن هؤلاء النساء، يعني زوجاتَهم قد أخذن وجعلن عليكم ميثاقًا، وعهدًا غليظًا؛ أي: شديدًا وعاشرن معكم بذلك العهد. قال ابن عباس، ومجاهد: الميثاق الغليظ: كلمة النكاح المعقودة على الصداق، وهي الكلمة التي تستحلُّ بها الفروجُ، ويدل على ذلك ما رُوي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، وقيل: هو قولُ العاقد عند العقد زوجتكها على ما أخَذَ الله للنساء على الرجال من إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان، قاله قتادة.

وهذا الإسناد (?) مجاز عقلي من الإسناد للسبب؛ لأن الآخذ للعهد حقيقة هو الله سبحانه وتعالى، لكن بولغ فيه حتى جَعَل كأنهن الآخذاتُ له، والمعنى فكيف تأخذونه، والحاصل أنَّ الله سبحانه وتعالى قد أخذ وجعل عليكم أيُّها الأزواج بسببهن ميثاقًا غليظًا، وعهدًا شديدًا على التقوى في حقوقهن حيث قال: على لسان نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -: "اتقوا الله في النساء" الحديث.

وقيل: الميثاق الغليظُ: المودةُ والرحمةُ المذكورة في قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} فالإسناد على هذا حقيقي، والمعنى حينئذ: فكيف تأخذونه وقد أخذنَ وحَمَلْنَ أزواجكم بسببكم مودةً شديدةً وشفقة عجيبة.

فهذه آية من (?) آيات الفطرة الإلهية هي أقوى ما تعتمدُ عليها المرأَةُ في ترك أبوَيْها، وإخوتها وسائر أهلها، والاتصال برجل غريب عنها تسَاهِمُهُ السرَّاءَ والضراءَ، وتسكن إليه ويَسْكُن إليها، ويكون بينهما من المودة أقوَى مما يكون بين ذوي القربى ثقةً منها بأنَّ صِلَتَها به أقوى من كل صلة، وعيشتَها معه أَهْنَأُ مِن كلِّ عيشة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015