{بُهْتَانًا}؛ أي: حالة كونكم باهتينَ وكاذبينَ عليها برميها بالفاحشة، {وَإِثْمًا مُبِينًا}؛ أي: وحالة كونكم آثمين إثمًا مبينًا؛ أي: ظالمينَ لها ظلمًا، بينًا، ظاهرًا، بأخذ مالها بغير استحقاق له؛ أي: لا تفعلوا ذلك، وقد كان من دَأبهم أنهم إذا أرادوا تطليقَ الزوجة، رَمَوها بفاحشة، حتى تَخافَ وتشتريَ نَفْسَها منه بالمهر الذي دَفَعه إليها، وأصل البهتان (?) الكذب الذي يواجهُ به الإنسان صاحبَه على جهة المكابرة، فيبْهَتُ المكذوبُ عليه؛ أي: يتحيَّرُ ثُمَّ سميَ كلُّ باطل يتحيّر من بطلانه بُهْتَانًا.
21 - ثم زاده إنكارًا آخر مبالغةً في التنفير من ذلك فقال: {وَكَيْفَ تَأخُذُونَهُ}؛ أي: وبأي وجه وسبب تأخذُون ذلك القنطار {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ}؛ أي: والحال: أنه قد وَصَلَ، وألصقَ بعضكم أيُّها الأزواجُ والزوجات إلى بعض بالجماع الموجب للمهر، واجتمعتم في لحاف واحدٍ، ولاَبَس بعضكم بعضًا ملابسةً يتكوَّنُ منها الولد، فإنها قد بذلَتْ نفسَها لك، وجعلَتْ ذاتَها مَلاذك ومتمتعك، وحصلَت الألفة التامَّةُ بينكما، فكيف يليق بالعاقل أن يسترد منها شيئًا، فهذا لا يليق بمَنْ له طَبْعٌ سليم، وذوقٌ مستقيم؛ أي: إنَّ حالَ هؤلاء الذين يستحلون أخذَ مهور النساء إذا أرادوا مُفارقتَهن بالطلاق، لا لذنب جَنيْنَهُ، ولا لإثم اجترحنَه من الإتيان بفاحشة مبينة، أو عدم إقامة حدود الله، وإنما هو الرأي والهَوى، وكراهةُ معاشرَتِهن عجيب أيما عجيب، فكيف يستطيبون ويجُوزون أخذَ ذلك منهن بعد أن تأكَّدَت الرابطة بين الزوجين بأقوى رباط حيوي بين البشر، ولابس كل منهما الآخر حتى صار كل منهما من الآخر بمنزلة الجزء المتمم لوجوده، فَبعد أن أفضى كل منهما إلى الآخر إفضاء، ولابسه ملابسةً يتكون منها الولد يقطع تلك الصلة العظيمة، ويطمع في مالها وهي المظلومة الضعيفة، وهو القادر على اكتساب المال بسائر الوسائل، التي هدَى الله إليها البشرَ.
وجملة قوله: {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} معطوفة على جملة قوله: